تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ} (31)

الآية 31 : وقوله تعالى : { حنفاء لله } قد ذكرنا . وجائز أن يكون قوله : { غير مشركين به } تفسير قوله : { حنفاء لله } أي كونوا مخلصين لله في جميع أموركم غير مشركين به في ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح مكان سحيق } يحتمل ضرب مثل من أشرك بالله بالساقط من السماء [ وخطف الطير إياه وهوي الريح به ]{[13029]} في مكان سحيق وجوها :

أحدها : ما وصف ، وضرب مثله بشيء لا قرار له ، ولا ثبات ، نحو ما قال : { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } [ إبراهيم : 26 ] ونحو ما قال : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء } الآية [ النور : 39 ] ضرب مثل الكفر بشيء ، لا قرار له ، ولا ثبات . فعلى ذلك [ ضرب ] {[13030]} مثله بالساقط : { من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح } لا يدري أين [ هو ؟ ولا أين يطلب إن أراد ] {[13031]} طلبه ؟ ولا يظفر به . فعلى ذلك الكافر .

والثاني : [ ما ] {[13032]} ضرب مثله بالساقط من السماء ، وهي أبعد البقاع في الأوهام ، لا ينتفع من{[13033]} سقط منها ولا بشيء من نفسه ، ولا تبقى نفسه . فعلى ذلك الكافر لا ينتفع بشيء من محاسنه ، ولا تبقى نفسه ، ينتفع بها ، لبعده عن دين الله .

والثالث : [ ما ضرب مثله بالساقط ] {[13034]} من السماء إثر سقوطه منها في نفسه وفي جميع جوارحه وظهور{[13035]} ذلك فيه حتى لا يرجى{[13036]} بُرْؤُهُ وصحته . فعلى ذلك الكافر تظهر آثاره الكفر في نفسه وجوارحه لبعده عن دين الله ، والله أعلم .

وقال بعضهم : هذا مثل ضربه الله لمن أشرك به في هلاكه وبعده من الهدى . والسحيق البعيد وهو قريب مما ذكرنا .


[13029]:في الأصل و م: واختطاف الطير أو تهوي به الريح.
[13030]:ساقطة من الأصل و م.
[13031]:من م، في الأصل: يطلب إن أرادوا.
[13032]:ساقطة من الأصل و م.
[13033]:في الأصل و م: ممن.
[13034]:ساقطة من الأصل و م.
[13035]:في الأصل و م: وظهر.
[13036]:من م، في الأصل: يرجو.