تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةٞ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (164)

( 164 ) معظمهم اعتدوا وتجرؤوا ، وأعلنوا بذلك .

وفرقة أعلنت بنهيهم والإنكار عليهم .

وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم ، ونهيهم لهم ، وقالوا لهم : لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا كأنهم يقولون : لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم اللّه ، ولم يصغ للنصيح ، بل استمر على اعتدائه وطغيانه ، فإنه لا بد أن يعاقبهم اللّه ، إما بهلاك أو عذاب شديد .

فقال الواعظون : نعظهم وننهاهم مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي : لنعذر فيهم .

وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي : يتركون ما هم فيه من المعصية ، فلا نيأس من هدايتهم ، فربما نجع فيهم الوعظ ، وأثر فيهم اللوم .

وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر ليكون معذرة ، وإقامة حجة على المأمور المنهي ، ولعل اللّه أن يهديه ، فيعمل بمقتضى ذلك الأمر ، والنهي .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةٞ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (164)

138

بينما مضى فريق ثالث يقول للآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر : ما فائدة ما تزاولونه مع هؤلاء العصاة ، وهم لا يرجعون عما هم آخذون فيه ؟ وقد كتب الله عليهم الهلاك والعذاب ؟

( وإذ قالت أمة منهم : لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً ؟ ) .

فلم تعد هناك جدوى من الوعظ لهم ، ولم تعد هناك جدوى لتحذيرهم . بعدما كتب الله عليهم الهلاك أو العذاب الشديد ؛ بما اقترفوه من انتهاك لحرمات الله .

( قالوا : معذرة إلى ربكم ، ولعلهم يتقون ) . .

فهو واجب لله نؤديه : واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتخويف من انتهاك الحرمات ، لنبلغإلى الله عذرنا ، ويعلم أن قد أدينا واجبنا . ثم لعل النصح يؤثر في تلك القلوب العاصية فيثير فيها وجدان التقوى .

وهكذا انقسم سكان الحاضرة إلى ثلاث فرق . . أو ثلاث أمم . . فالأمة في التعريف الإسلامي هي مجموعة الناس التي تدين بعقيدة واحدة وتصور واحد وتدين لقيادة واحدة ، وليست كما هي في المفهوم الجاهلي القديم أو الحديث ، مجموعة الناس التي تسكن في إقليم واحد من الأرض وتحكمها دولة واحدة ! فهذا مفهوم لا يعرفه الإسلام ، إنما هي من مصطلحات الجاهلية القديمة أو الحديثة !

وقد انقسم سكان القرية الواحدة إلى ثلاث أمم : أمة عاصية محتالة . وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار والتوجيه والنصيحة . وأمة تدع المنكر وأهله ، وتقف موقف الإنكار السلبي ولا تدفعه بعمل إيجابي . . وهي طرائق متعددة من التصور والحركة ، تجعل الفرق الثلاث أمماً ثلاثاً !