فأرى اللّه المؤمنين عدوهم قليلا في أعينهم ، ويقللكم - يا معشر المؤمنين - في أعينهم ، فكل من الطائفتين ترى الأخرى قليلة ، لتقدم كل منهما على الأخرى .
{ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ْ } من نصر المؤمنين وخذلان الكافرين وقتل قادتهم ورؤساء الضلال منهم ، ولم يبق منهم أحد له اسم يذكر ، فيتيسر بعد ذلك انقيادهم إذا دعوا إلى الإسلام ، فصار أيضا لطفا بالباقين ، الذين مَنَّ اللّه عليهم بالإسلام .
{ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ْ } أي : جميع أمور الخلائق ترجع إلى اللّه ، فيميز الخبيث من الطيب ، ويحكم في الخلائق بحكمه العادل ، الذي لا جور فيه ولا ظلم .
وبعد هذا التعقيب الذي يتوسط استعراض المعركة وأحداثها وملابساتها يمضي السياق في هذا الاستعراض ؛ ويكشف التدبير الخفي اللطيف :
( إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر . ولكن الله سلم . إنه عليم بذات الصدور ) . .
ولقد كان من تدبير الله في المعركة أن يرى رسول الله [ ص ] الكافرين في الرؤيا في منامه قليلاً لا قوة لهم ولا وزن . فينبئ أصحابه برؤياه ، فيستبشروا بها ويتشجعوا على خوض المعركة . . ثم يخبر الله هنا لم أراهم لنبيه قليلاً . فلقد علم - سبحانه - أنه لو أراهم له كثيراً ، لفت ذلك في قلوب القلة التي معه ، وقد خرجت على غير استعداد ولا توقع لقتال ، ولضعفوا عن لقاء عدوهم ؛ وتنازعوا فيما بينهم على ملاقاتهم : فريق يرى أن يقاتلهم وفريق يرى تجنب الالتحام بهم . . وهذا النزاع في هذا الظرف هو أبأس ما يصيب جيشاً يواجه عدواً !
( ولكن الله سلم . إنه عليم بذات الصدور ) . .
ولقد كان - سبحانه - يعلم بذوات الصدور ؛ فلطف بالعصبة المسلمة أن يعرضها لما يعلمه من ضعفها في ذلك الموقف ؛ فأرى نبيه المشركين في رؤياه قليلاً ، ولم يرهم إياه كثيراً . .
والرؤيا صادقة في دلالتها الحقيقية . فقد رآهم رسول الله [ ص ] قليلاً . . وهم كثير عددهم ، ولكن قليل غناؤهم ، قليل وزنهم في المعركة ، قلوبهم خواء من الإدراك الواسع ، والإيمان الدافع ، والزاد النافع . . وهذه الحقيقة الواقعة - من وراء الظاهر الخادع - هي التي أراها الله لرسوله ؛ فأدخل بها الطمأنينة على قلوب العصبة المسلمة . والله عليم بسرائرهم ، مطلع على قلة عددهم وضعف عدتهم ، وما تحدثه في نفوسهم لو عرفوا كثرة عدوهم ، من ضعف عن المواجهة ؛ وتنازع على الالتحام أو الإحجام . وكان هذا تدبيراً من تدبير الله العليم بذات الصدور .
وحينما التقى الجمعان وجهاً لوجه ، تكررت الرؤيا النبوية الصادقة ، في صورة عيانية من الجانبين ؛ وكان هذا من التدبير الذي يذكرهم الله به ؛ عند استعراض المعركة وأحداثها وما وراءها .
( وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ، ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وإلى الله ترجع الأمور ) . .
ولقد كان في هذا التدبير الإلهي ما أغرى الفريقين بخوض المعركة . . والمؤمنون يرون أعداءهم قليلاً ، لأنهم يرونهم بعين الحقيقة ! - والمشركون يرونهم قليلاً - وهم يرونهم بعين الظاهر - ومن وراء الحقيقتين اللتين رأى كل فريق منهما صاحبه بها ، تحققت غاية التدبير الإلهي ؛ ووقع الأمر الذي جرى به قضاؤه . . ( وإلى الله ترجع الأمور )
وهو التعقيب المناسب لتحقق التدبير ووقوع القضاء . . . فهو أمر من الأمور التي مرجعها لله وحده ، يصرفها بسلطانه ، ويوقعها بإرادته ، ولا تند عن قدرته وحكمه . ولا ينفذ شيء في الوجود إلا ما قضاه وأجرى به قدره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.