تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

{ 21 } { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ }

أي : جميع الأرزاق وأصناف الأقدار لا يملكها أحد إلا الله ، فخزائنها بيده يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، بحسب حكمته ورحمته الواسعة ، { وَمَا نُنَزِّلُهُ } أي : المقدر من كل شيء من مطر وغيره ، { إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } فلا يزيد على ما قدره الله ولا ينقص منه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مّعْلُومٍ } .

يقول تعالى ذكره : وما من شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر لكل أرض ، معلوم عندنا حدّه ومبلغه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا يزيد بن أبي زياد ، عن رجل ، عن عبد الله ، قال : ما من أرض أمْطَرُ من أرض ، ولكن الله يقدره في الأرض . ثم قرأ : وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن أبي جحيفة ، عن عبد الله ، قال : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يصرفه عمن يشاء . ثم قال : وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، قال : حدثنا عليّ بن مسهر ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن أبي جحيفة ، عن عبد الله بن مسعود : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يقسمه حيث شاء ، عاما ههنا وعاما ههنا . ثم قرأ : وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال : المطر خاصة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الحكم بن عتيبة ، في قوله : وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال : ما من عام بأكثر مطرا من عام ولا أقلّ ، ولكنه يمطر قوم ويُحرم آخرون ، وربما كان في البحر . قال : وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كلّ قطرة حيث تقع وما تُنبت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

هذا اعتراض ناشىء عن قوله { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } [ سورة الحجر : 19 ] الآية . وفي الكلام حذف الصفة كقوله تعالى { يأخذ كل سفينة غصباً } [ سورة الكهف : 79 ] أي سفينةٍ صالحةٍ .

والخزائن تمثيل لصلوحية القدرة الإلهية لتكوين الأشياء النافعة . شبهت هيئة إيجاد الأشياء النافعة بهيئة إخراج المخزونات من الخزائن على طريقة التمثيلية المَكنية ، ورُمز إلى الهيئة المشبّه بها بما هو من لوازمها وهو الخزائن . وتقدم عند قوله تعالى : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } في سورة الأنعام ( 50 ) .

وشمل ذلك الأشياء المتفرقة في العالم التي تصل إلى الناس بدوافع وأسباب تستتب في أحوال مخصوصة ، أو بتركيب شيء مع شيء مثل نزول البَرد من السحاب وانفجار العيون من الأرض بقصد أو على وجه المصادفة .

وقوله { وما ننزله إلا بقدر معلوم } أطلق الإنزال على تمكين الناس من الأمور التي خلقها الله لنفعهم ، قال تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } في سورة البقرة ( 29 ) ، إطلاقاً مجازياً لأن ما خلقه الله لمّا كان من أثر أمر التكوين الإلهي شبّه تمكين الناس منه بإنزال شيء من علو باعتبار أنه من العالم اللدني ، وهو علو معنوي ، أو باعتبار أن تصاريف الأمور كائن في العوالم العلوية ، وهذا كقوله تعالى { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } في سورة الزمر ( 6 ) ، وقوله تعالى : { يتنزل الأمر بينهن } في سورة الطلاق ( 12 ) .

والقَدر بفتح الدال : التقدير . وتقدم عند قوله تعالى { فسالت أودية بقدرها } في سورة الرعد ( 17 ) .

والمراد { بمعلوم } أنه معلوم تقديره عند الله تعالى .