تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (86)

{ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ } يوم القيامة ، وعلموا بطلانها ، ولم يمكنهم الإنكار .

{ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ } ، ليس عندها نفع ولا شفع ، فنوَّهوا بأنفسهم ببطلانها ، وكفروا بها ، وبدت البغضاء والعداوة بينهم وبينها ، { فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ } ، أي : ردت عليهم شركاؤهم قولهم ، فقالت لهم : { إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } ، حيث جعلتمونا شركاء لله ، وعبدتمونا معه فلم نأمركم بذلك ، ولا زعمنا أن فينا استحقاقا للألوهية ، فاللوم عليكم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (86)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا رَأى الّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبّنَا هََؤُلاَءِ شُرَكَآؤُنَا الّذِينَ كُنّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنّكُمْ لَكَاذِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا رأى المشركون بالله يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون الله من الآلهة والأوثان وغير ذلك ، قالوا : ربنا هؤلاء شركاؤنا في الكفر بك ، والشركاء الذين كنا ندعوهم آلهة من دونك . قال الله تعالى ذكره : { فألْقَوْا } يعني : شركاءهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله { القَوْلَ } يقول : قالوا لهم : { إنكم لكاذبون } أيها المشركين ، ما كنا ندعوكم إلى عبادتنا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فألْقَوْا إلَيْهِمُ القَوْلَ } ، قال : حدّثوهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (86)

{ الذين أشركوا } هم الذين ظلموا الذين يرون العذاب ، وهم الذين كفروا الذين لا يؤذن لهم . وإجراء هذه الصّلات الثلاث عليهم لزيادة التسجيل عليهم بأنواع إجرامهم الراجعة إلى تكذيب ما دعاهم الله إليه ، وهو نكتة الإظهار في مقام الإضمار هنا ، كما تقدّم في قوله تعالى : { وإذا رءا الذين ظلموا العذاب } [ سورة النحل : 85 ] .

فالإشراك المقصود هنا هو إشراكهم الأصنام في صفة الإلهية مع الله تعالى ، فيتعيّن أن يكون المراد بالشركاء الأصنام ، أي الشركاء لله حسب اعتقادهم . وبهذا الاعتبار أضيف لفظ شركاء إلى ضمير { الذين ظلموا } في قوله تعالى : { شركاءهم } ، كقول خالد بن الصقعب النهدي لعمرو بن معديكرب وقد تحدّث عَمْرو في مجلس قوم بأنه أغار على بني نهد وقتل خالداً ، وكان خالد حاضراً في ذلك المجلس فناداه : مهلاً أبا ثور قتيلُك يسمع ، أي قتيلك المزعوم ، فالإضافة للتهكّم . والمعنى : إذا رأى الذين أشركوا الشركاء عندهم ، أي في ظنّهم .

ولك أن تجعل لفظ « شركاء » لقباً زال منه معنى الوصف بالشركة وصار لقباً للأصنام ، فتكون الإضافة على أصلها .

والمعنى : أنهم يرون الأصنام حين تقذف معهم في النار ، قال تعالى : { وقودها الناس والحجارة } [ سورة البقرة : 24 ] .

وقولهم : { ربنا هؤلاء شركاؤنا } إما من قبيل الاعتراف عن غير إرادة فضحاً لهم ، كقوله تعالى : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم } [ سورة النور : 24 ] ، وإما من قبيل التنصّل وإلقاء التّبعة على المعبودات كأنهم يقولون هؤلاء أغروَنا بعبادتهم من قبيل قوله تعالى : { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّأوا منا } [ سورة البقرة : 167 ] .

والفاء في { فألقوا } للتّعقيب للدّلالة على المبادرة بتكذيب ما تضمّنه مقالهم ، أنطق الله تلك الأصنام فكذّبت ما تضمّنه مقالهم من كون الأصنام شركاء لله ، أو من كون عبادتهم بإغراء منها تفضيحاً لهم وحسرة عليهم .

والجمع في اسم الإشارة واسم الموصول جمعُ العقلاء جرياً على اعتقادهم إلهية الأصنام .

ولما كان نطق الأصنام غير جار على المتعارف عبّر عنه بالإلقاء المؤذن بكون القول أجراه الله على أفواه الأصنام من دون أن يكونوا ناطقين فكأنه سقط منها .

وإسناد الإلقاء إلى ضمير الشركاء مجاز عقلي لأنها مَظهره .

وأجرى عليهم ضمير جمع العقلاء في فعل « ألقوا » مُشاكلةً لاسم الإشارة واسم الموصول للعقلاء .

ووصفهم بالكذب متعلّق بما تضمّنه كلامهم أن أولئك آلهة يُدعون من دون الله على نحو ما وقع في الحديث : " فيقال للنّصارى : ما كنتم تعبدون ، فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله ، فيقال لهم : كذبتم ما اتّخذَ الله من ولد " . وأما صريح كلامهم وهو قولهم : { هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك } فهم صادقون فيه .

وجملة { إنكم لكاذبون } بدل من { القول } . وأعيد فعل { ألقَوا } في قوله : { وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم } لاختلاف فاعل الإلقاء ، فضمير القول الثاني عائد إلى { الذين أشركوا } .