تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

{ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ } من المخلوقين { أَبْغِي رَبًّا } أي : يحسن ذلك ويليق بي ، أن أتخذ غيره ، مربيا ومدبرا والله رب كل شيء ، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته ، منقادون لأمره ؟ " .

فتعين علي وعلى غيري ، أن يتخذ الله ربا ، ويرضى به ، وألا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين .

ثم رغب ورهب بذكر{[307]}  الجزاء فقال : { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير وشر { إِلَّا عَلَيْهَا } كما قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا }

{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } بل كل عليه وزر نفسه ، وإن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره ووزره ، فإن عليه وزر التسبب من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء .

{ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ } يوم القيامة { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من خير وشر ، ويجازيكم على ذلك ، أوفى الجزاء .


[307]:- في ب: بذلك.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ مّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان ، الداعيك إلى عبادة الأصنام واتباع خطوات الشيطان : أغيرَ اللّهِ أبْغِي رَبّا يقول : أسِوَى الله أطلب سيّدا يسودني . وَهُوَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ يقول : وهو سيد كلّ شيء دونه ، ومدبره ومصلحه . وَلا تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إلاّ عَلَيْها يقول : ولا تجترح نفس إثما إلا عليها أي لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى وركبت من الخطيئة سواها ، بل كلّ ذي إثم فهو المعاقَب بإثمه والمأخوذ بذنبه . وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى يقول : ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها ، ولكنها تأثم باثمها وعليه تعاقب دون إثم أخرى غيرها . وإنما يعني بذلك المشركين الذين أم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول لهم ، يقول : قل لهم : إنا لسنا مأخوذين بآثامكم ، وعليكم عقوبة إجرامكم ، ولنا جزاء أعمالنا . وهذا كما أمره الله جلّ ثناؤه في موضع آخر أن يقول لهم : لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ . وذلك كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : كان في ذلك الزمان لا مخرج للعلماء العابدين إلا إحدى خَلّتين ، إحداهما أفضل من صاحبتها : إما أمر ودعاء إلى الحقّ ، أو الاعتزال ، فلا تشارك أهل الباطل في عملهم ، وتؤدّي الفرائض فيما بينك وبين ربك ، وتحبّ لله ، وتبغض لله ، ولا تشارك أحدا في أثم . قال : وقد أنزل في ذلك آية محكمة : قُلْ أغيرَ اللّهِ أبْغِي رَبّا وَهُوَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ . . . إلى قوله : فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، وفي ذلك قال : وَما تَفَرّقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمْ البَيّنَةُ .

يقال من الوِزْر : وَزِرَ يَوْزَر ، فهو وَزِير ، ووُزِرَ يُوْزَر فهو مَوْزُور .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ إلى رَبّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان : كلّ عامل منا ومنكم فله ثواب عمله وعليه وزره ، فاعملوا ما أنتم عاملوه . ثُمّ إلى رَبّكُمْ أيها الناس ، مَرْجِعُكُمْ يقول : ثم إليه مصيركم ومنقلبكم ، فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ في الدنيا ، تَخْتَلِفُونَ من الأديان والملل ، إذ كان بعضكم يدين باليهودية ، وبعض بالنصرانية ، وبعض بالمجوسية ، وبعض بعبادة الأصنام ، وادّعاه الشركاء مع الله والأنداد ، ثم يجازي جميعكم بما كان يعمل في الدنيا من خير أو شرّ ، فتعلموا حينئذٍ مَن المحسن منا والمسيء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

حكى النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع يا محمد إلى ديننا واعبد آلهتنا واترك ما أنت عليه ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك ، فنزلت هذه الآية ، وهي استفهام يقتضي التقرير والتوقيف والتوبيخ ، و { أبغي } معناه أطلب ، فكأنه قال : أفيحسن عندكم أن أطلب إلهاً غير الله الذي هو رب كل شيء ؟ وما ذكرتم من كفالتكم لا يتم لأن الأمر ليس كما تظنونه ، وإنما كسب كل نفس من الشر والإثم عليها وحدها { ولا تزر } أي لا تحمل وازرة أي حاملة ِحمل أخرى وثقلها ، والوزر أصله الثقل ، ثم استعمل في الإثم لأنه ينقض الظهر تجوزاً واستعارة ، يقال منه : وزر الرجل يزر فهو وازر ووزر يوزر فهو موزور ، وقوله { ثم إلى ربكم مرجعكم } تهديد ووعيد { فينبئكم } أي فيعلمكم أن العقاب على الاعوجاج تبيين لموضع الحق ، وقوله { بما كنتم فيه تختلفون } يريد على ما حكى بعض المتأولين من أمري في قول بعضكم هو ساحر وبعضكم هو شاعر . وبعضكم افتراه ، وبعضكم إكتتبه ، ونحو هذا .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل يحسن في هذا الموضع وإن كان اللفظ يعم جميع أنواع الاختلافات من الأديان والملل والمذاهب وغير ذلك .