تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

يخبر تعالى أنه المنفرد بعلم غيب السماوات والأرض كقوله تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } وكقوله : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ } إلى آخر السورة .

فهذه الغيوب ونحوها اختص الله بعلمها فلم يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وإذا كان هو المنفرد بعلم ذلك المحيط علمه بالسرائر والبواطن والخفايا فهو الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، ثم أخبر تعالى عن ضعف علم المكذبين بالآخرة منتقلا من شيء إلى ما هو أبلغ منه فقال : { وَمَا يَشْعُرُونَ } أي : وما يدرون { أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي : متى البعث والنشور والقيام من القبور أي : فلذلك لم يستعدوا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الاَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لسائليك من المشركين عن الساعة متى هي قائمة : لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ الذي قد استأثر الله بعلمه ، وحجب عنه خلقه غيره والساعة من ذلك ، وَما يَشْعَرُونَ يقول : وما يدري من في السموات والأرض من خلقه متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام الساعة . وقد :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، قال : قالت عائشة : من زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد ، فقد أعظم على اللّهِ الفِرْيَةَ ، والله يقول : لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلاّ اللّهُ .

واختلف أهل العربية في وجه رفع الله ، فقال بعض البصريين : هو كما تقول : إلا قليل منهم . وفي حرف ابن مسعود : قليلاً بدلاً من الأوّل ، لأنك نفيته عنه وجعلته للاَخر . وقال بعض الكوفيين : إن شئت أن تتوهم في «من » المجهول ، فتكون معطوفة على : قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله . قال : ويجوز أن تكون «من » معرفة ، ونزل ما بعد «إلا » عليه ، فيكون عطفا ولا يكون بدلاً ، لأن الأوّل منفي ، والثاني مثبت ، فيكون في النسق كما تقول : قام زيد إلا عمرو ، فيكون الثاني عطفا على الأوّل ، والتأويل جحد ، ولا يكون أن يكون الخبر جحدا ، أو الجحد خبرا . قال : وكذلك مَا فَعَلُوهُ إلاّ قَلِيلٌ وقليلاً من نَصَب ، فعلى الاستثناء في عبادتكم إياه ، ومن رَفَع فعلى العطف ، ولا يكون بدلاً .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

{ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة اتبعه ما هو كاللازم له ، وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ، ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على انه تعالى إن كان ممن في السماوات والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم ، أو متصل على أن المراد ممن في السماوات والأرض من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها ، فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف . { وما يشعرون أيان يبعثون } متى ينشرون مركبة من " أي " " وآن " ، وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

ثم أمر عز وجل نبيه أن يوقفهم على أن { الغيب } مما انفرد الله بعلمه ولذلك سمي غيباً لغيبه عن المخلوقين ، ويروى أن هذه الآية من قولهم { قل لا يعلم } ، إنما نزلت لأن الكفار سألوا وألحوا عن وقت القيامة التي يعدهم محمد فنزلت هذه الآية فيها التسليم لله تعالى وترك التحديد ، فأعلم عز وجل أنه لا يعلم وقت الساعة سواه فجاء بلفظ يعم الساعة وغيرها ، وأخبر عن البشر أنهم لا يشعرون { أيان يبعثون } وبهذه الآية احتجت عائشة رضي الله عنها على قولها ومن زعم أن محمداً يعلم الغيب فقد أعظم على الله الفرية{[9051]} ، والمكتوبة في قوله تعالى : { إلا الله } بدل من { من }{[9052]} ، وقرأ جمهور الناس «أيان » بفتح الهمزة ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي «إيان » بكسرها وهما لغتان{[9053]} .


[9051]:أخرج الطيالسي، وسعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وبن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات- عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة، فقالت عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة منهم فقد أعظم على الله الفرية، قلت: وما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجلي علي، ألم يقل الله: {ولقد رآه بالأفق المبين} ، {ولقد رآه نزلة أخرى} فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض، قالت: أو لم تسمع الله عز وجل يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}، أو لم تسمع الله يقول: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا} إلى قوله: {علي حكيم}؟ ومن زعم أن محمدا كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله جل ذكره يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} إلى قوله{ والله يعصمك من الناس}، قالت: ومن زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}، (الدر المنثور، وفتح القدير).
[9052]:المكتوبة هي لفظ الجلالة في قوله: {إلا الله}، يقول ابن عطية إنها بدل من [من] في قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب}، ومعنى هذا أنه يرى أن الاستثناء متصل، والرفع على البدل أفصح من النصب على الاستثناء، لأنه استثناء من نفي متقدم، ويصح أن يكون الرفع على الصفة. لكن أبا حيان الأندلسي يرى أنه لا يصح أن يكون {إلا الله} مندرجا في مدلول [من] فيكون قوله/ {في السموات والأرض} ظرفا حقيقيا للمخلوقين فيهما، وظرفا مجازيا بالنسبة إليه تعالى، بمعنى أنه فيهما بعلمه؛ لأن في ذلك جمعا بين الحقيقة والمجاز، ثم قال أبو حيان: "وأكثر العلماء ينكر ذلك، وإنكاره هو الصحيح".
[9053]:يقول العلماء: إن الله تعالى لما نفى عنهم علم الغيب على العموم عاد ونفى عنهم هذا الغيب المخصوص وهو وقت الساعة والبعث، فصار منتفيا مرتين؛ إذ هو مندرج في عموم الغيب ومنصوص عليه بخصوصه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قُلْ" يا محمد لسائليك من المشركين عن الساعة متى هي قائمة: "لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ "الذي قد استأثر الله بعلمه، وحجب عنه خلقه غيره والساعة من ذلك، "وَما يَشْعَرُونَ" يقول: وما يدري من في السموات والأرض من خلقه متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام الساعة.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{الْغَيْبَ}: ما لا يطلع عليه أحد، وليس عليه للخلْق دليل، وهو الذي يستأثر بعلمه الحقُّ، وعلومُ الخَلْق عنه متقاصرة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما بين أنه المختص بالقدرة فكذلك بين أنه هو المختص بعلم الغيب، وإذا ثبت ذلك ثبت أنه هو الإله المعبود، لأن الإله هو الذي يصح منه مجازاة من يستحق الثواب على وجه لا يلتبس بأهل العقاب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{قل} أي لهم أو لكل من يدعي دعواهم: {لا يعلم} أحد، ولكنه عبر بأداة العقلاء فقال: {من} لئلا يخصها متعنت بما لا يعقل، عبر بالظرف تنبيهاً على أن المظروف محجوب، وكل ظرف حاجب لمظروفه عن علم ما وراءه، فقال: {في السماوات والأرض الغيب} أي الكامل في الغيبة، وهو الذي لم يخرج إلى عالم الشهادة أصلاً، ولا دلت عليه أمارة، ليقدر على شيء مما تقدم في هذه الآيات من الأمور فيعلمه...

ولما كان الخبر -الذي لم يطلع عليه أحد من الناس- قد يخبر به الكهان، أو أحد من الجان، من أجواف الأوثان، وكانوا يسمون هذا غيباً وإن كان في الحقيقة ليس به لسماعهم له من السماء بعد ما أبرزه الله إلى عالم الشهادة للملائكة ومن يريد من عباده،... وكانت الساعة قد ثبت أمرها، وشاع في القرآن وعلى لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم ذكرها، بحيث صارت بمنزلة ما لا نزاع فيه، وكان علم وقتها من الغيب المحض، قال: {وما يشعرون} أي أحد ممن في السماوات والأرض وإن اجتمعوا وتعاونوا {أيان} أي أيّ وقت {يبعثون} فمن أعلم بشيء من ذلك على الحقيقة بانَ صدقه، ومن تخرص ظهر كذبه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والإيمان بالبعث والحشر، وبالحساب والجزاء، عنصر أصيل في العقيدة، لا يستقيم منهجها في الحياة إلا به. فلا بد من عالم مرتقب، يكمل فيه الجزاء، ويتناسق فيه العمل والأجر، ويتعلق به القلب، وتحسب حسابه النفس، ويقيم الإنسان نشاطه في هذه الأرض على أساس ما ينتظره هناك. ولقد وقفت البشرية في أجيالها المختلفة ورسالاتها المتوالية موقفا عجيبا من قضية البعث والدار الآخرة، وعلى بساطتها وضرورتها. فكان أعجب ما تدهش له أن ينبئها رسول أن هناك بعثا بعد الموت وحياة بعد الدثور. ولم تكن معجزة بدء الحياة الواقعة التي لا تنكر تلهم البشرية أن الحياة الأخرى أهون وأيسر. ومن ثم كانت تعرض عن نذير الآخرة، وتستمرى ء الجحود والمعصية، وتستطرد في الكفر والتكذيب. والآخرة غيب. ولا يعلم الغيب إلا الله. وهم كانوا يطلبون تحديد موعدها أو يكذبوا بالنذر، ويحسبوها أساطير، سبق تكرارها ولم تحقق أبدا! فهنا يقرر أن الغيب من أمر الله، وأن علمهم عن الآخرة منته محدود: (قل: لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، وما يشعرون أيان يبعثون. بل ادارك علمهم في الآخرة، بل هم في شك منها، بل هم منها عمون).. ولقد وقف الإنسان منذ بدء الخليقة أمام ستر الغيب المحجوب، لا ينفذ إليه علمه، ولا يعرف مما وراء الستر المسدل، إلا بقدر ما يكشف له منه علام الغيوب. وكان الخير في هذا الذي أراده الله، فلو علم الله أن في كشف هذا الستر المسبل خيرا لكشفه للإنسان المتطلع الشديد التطلع إلى ما وراءه! لقد منح الله هذا الإنسان من المواهب والاستعدادات والقوى والطاقات ما يحقق به الخلافة في الأرض، وما ينهض به بهذا التكليف الضخم.. ولا زيادة.. وانكشاف ستر الغيب له ليس مما يعينه في هذه المهمة. بل إن انطباق أهدابه دونه لمما يثير تطلعه إلى المعرفة، فينقب ويبحث. وفي الطريق يخرج المخبوء في باطن الأرض، وجوف البحر، وأقطار الفضاء؛ ويهتدي إلى نواميس الكون والقوى الكامنة فيه، والأسرار المودعة في كيانه لخير البشر، ويحلل في مادة الأرض ويركب، ويعدل في تكوينها وأشكالها، ويبتدع في أنماط الحياة ونماذجها.. حتى يؤدي دوره كاملا في عمارة هذه الأرض، ويحقق وعد الله بخلافة هذا المخلوق الإنساني فيها. وليس الإنسان وحده هو المحجوب عن غيب الله، ولكن كل من في السماوات والأرض من خلق الله. من ملائكة وجن وغيرهم ممن علمهم عند الله. فكلهم موكلون بأمور لا تستدعي انكشاف ستر الغيب لهم، فيبقي سره عند الله دون سواه. (قل: لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله).. وهو نص قاطع لا تبقى بعده دعوى لمدع، ولا يبقى معه مجال للوهم والخرافة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما أبطلت الآيات السابقة إلهية أصنام المشركين بالأدلة المتظاهرة فانقطع دابر عقيدة الإشراك ثني عنان الإبطال إلى أثر من آثار الشرك وهو ادعاء علم الغيب بالكهانة وإخبار الجن، كما كان يزعمه الكهان والعرافون وسدنة الأصنام. ويؤمن بذلك المشركون. وفي « معالم التنزيل» وغيره نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة فما كان سؤالهم عن ذلك إلا لظنهم أن ادعاء العلم بوقتها من شأن النبوءة توصلاً لجحد النبوءة إن لم يعين لهم وقت الساعة فأبطلت الآية هذه المزاعم إبطالاً عاماً معياره الاستثناء بقوله {إلا الله} وهو عام مراد به الخصوص أعني خصوص الكهان وسدنة بيوت الأصنام. وإنما سلك مسلك العموم لإبطال ما عسى أن يزعم من ذلك، ولأن العموم أكثر فائدة وأوجز، فإن ذلك حال أهل الشرك من بين من في السماوات والأرض. فالقصد هنا تزييف آثار الشرك وهو الكهانة ونحوها. وإذ قد كانت المخلوقات لا يعدون أن يكونوا من أهل السموات أو من أهل الأرض لانحصار عوالم الموجودات في ذلك كان قوله {لا يعلم من في السموات والأرض الغيب} في قوة لا يعلم أحد الغيب، ولكن أطنب الكلام لقصد التنصيص على تعميم المخلوقات كلها فإن مقام علم العقيدة مقام بيان يناسبه الإطناب.

واستثناء {إلا الله} منه لتأويل {من في السماوات والأرض} بمعنى: أحد، فهو استثناء متصل على رأي المحققين وهو واقع من كلام منفي. فحق المستثنى أن يكون بدلاً من المستثنى منه في اللغة الفصحى فلذلك جاء اسم الجلالة مرفوعاً ولو كان الاستثناء منقطعاً لكانت اللغة الفصحى تنصب المستثنى.

وبعد فإن دلائل تنزيه الله عن الحلول في المكان وعن مماثلة المخلوقات متوافرة فلذلك يجري استعمال القرآن والسنة على سنن الاستعمال الفصيح للعلم بأن المؤمن لا يتوهم ما لا يليق بجلال الله تعالى. ومن المفسرين من جعل الاستثناء منقطعاً وقوفاً عند ظاهر صلة {من في السماوات والأرض} لأن الله ينزّه عن الحلول في السماء والأرض.

وأما من يتفضل الله عليه بأن يظهره على الغيب فذلك داخل في علم الله قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول} [الجن: 26، 27]. فأضاف (غيب) إلى ضمير الجلالة.

وأردف هذا الخبر بإدماج انتفاء علم هؤلاء الزاعمين علم الغيب أنهم لا يشعرون بوقت بعثهم بل جحدوا وقوعه إثارة للتذكير بالبعث لشدة عناية القرآن بإثباته وتسفيه الذين أنكروه. فذلك موقع قوله {وما يشعرون أيان يبعثون}، أي أن الذين يزعمون علم الغيب ما يشعرون بوقت بعثهم.

و {أيان} اسم استفهام عن الزمان وهو معلِّق فعل {يشْعرون} عن العمل في مفعوليه. وهذا تورّكٌ وتعيير للمشركين فإنهم لا يؤمنون بالبعث بَلْةَ شعورهم بوقته.