{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }
المحاجة هي : المجادلة بين اثنين فأكثر ، تتعلق بالمسائل الخلافية ، حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله ، وإبطال قول خصمه ، فكل واحد منهما ، يجتهد في إقامة الحجة على ذلك ، والمطلوب منها ، أن تكون بالتي هي أحسن ، بأقرب طريق يرد الضال إلى الحق ، ويقيم الحجة على المعاند ، ويوضح الحق ، ويبين الباطل ، فإن خرجت عن هذه الأمور ، كانت مماراة ، ومخاصمة لا خير فيها ،
وأحدثت من الشر ما أحدثت ، فكان أهل الكتاب ، يزعمون أنهم أولى بالله من المسلمين ، وهذا مجرد دعوى ، تفتقر إلى برهان ودليل . فإذا كان رب الجميع واحدا ، ليس ربا لكم دوننا ، وكل منا ومنكم له عمله ، فاستوينا نحن وإياكم بذلك . فهذا لا يوجب أن يكون أحد الفريقين أولى بالله من غيره ، لأن التفريق مع الاشتراك في الشيء ، من غير فرق مؤثر ، دعوى باطلة ، وتفريق بين متماثلين ، ومكابرة ظاهرة . وإنما يحصل التفضيل ، بإخلاص الأعمال الصالحة لله وحده ، وهذه الحالة ، وصف المؤمنين وحدهم ، فتعين أنهم أولى بالله من غيرهم ، لأن الإخلاص ، هو الطريق إلى الخلاص ، فهذا هو الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، بالأوصاف الحقيقية التي يسلمها أهل العقول ، ولا ينازع فيها إلا كل مكابر جهول ، ففي هذه الآية ، إرشاد لطيف لطريق المحاجة ، وأن الأمور مبنية على الجمع بين المتماثلين ، والفرق بين المختلفين .
{ قُلْ أَتُحَآجّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبّنَا وَرَبّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }
يعني تعالى ذكره بقوله : { قُلْ أتُحَاجّونَنا فِي اللّهِ } قل يا محمد لمعاشر اليهود والنصارى الذين قالوا لك ولأصحابك كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، وزعموا أن دينهم خير من دينكم ، وكتابهم خير من كتابكم لأنه كان قبل كتابكم ، وزعموا أنهم من أجل ذلك أولى بالله منك : أتحاجوننا في الله ، وهو ربنا وربكم ، بيده الخيرات ، وإليه الثواب والعقاب ، والجزاء على الأعمال الحسنات منها والسيئات ، فتزعمون أنكم بالله أولى منّا من أجل أن نبيكم قبل نبينا ، وكتابكم قبل كتابنا ، وربكم وربنا واحد ، وأن لكل فريق منا ما عمل واكتسب من صالح الأعمال وسيئها ، ويجازي فيثاب أو يعاقب لا على الأنساب وقدم الدين والكتاب .
ويعني بقوله : قل أتحاجّوننا قل أتخاصموننا وتجادلوننا . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { قُلْ أتُحَاجّونَنَا فِي اللّهِ } قل أتخاصموننا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { قُلْ أتحاجّونَنا } أتخاصموننا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { أتحاجّونَنا } أتجادلوننا .
فأما قوله : { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }فإنه يعني : ونحن لله مخلصو العبادة والطاعة لا نشرك به شيئا ، ولا نعبد غيره أحدا ، كما عبد أهل الأوثان معه الأوثان ، وأصحاب العجل معه العجل . وهذا من الله تعالى ذكره توبيخ لليهود واحتجاج لأهل الإيمان ، بقوله تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : قولوا أيها المؤمنون لليهود والنصارى الذين قالوا لكم : { كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } . أتُحاجّونَنا في الله ، يعني بقوله : { فِي اللّهِ } في دين الله الذي أمرنا أن ندينه به ، وربنا وربكم واحد عدل لا يجور ، وإنما يجازي العباد على ما اكتسبوا . وتزعمون أنكم أولى بالله منا لقدم دينكم وكتابكم ونبيكم ، ونحن مخلصون له العبادة لم نشرك به شيئا ، وقد أشركتم في عبادتكم إياه ، فعبد بعضكم العجل وبعضكم المسيح . فأَنّى تكونوا خيرا منا ، وأولى بالله منّا .
{ قل أتحاجوننا } أتجادلوننا . { في الله } في شأنه واصطفائه نبيا من العرب دونكم ، روي أن أهل الكتاب قالوا : الأنبياء كلهم منا ، لو كنت نبيا لكنت منا . فنزلت : { وهو ربنا وربكم } لا اختصاص له بقوم دون قوم ، يصيب برحمته من يشاء من عباده . { ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم } فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا ، كأنه ألزمهم على كل مذهب ينتحلونه إفحاما وتبكيتا ، فإن كرامة النبوة إما تفضل من الله على من يشاء والكل فيه سواء ، وإما إفاضة حق على المستعدين لها بالمواظبة على الطاعة والتحلي بالإخلاص . وكما أن لكم أعمالا ربما يعتبرها الله في إعطائها ، فلنا أيضا أعمال . { ونحن له مخلصون } موحدون نخصه بالإيمان والطاعة دونكم .
{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }( 139 )
معنى الآية : { قل } يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وادعوا أنهم أولى بالله منكم لقدم أديانهم وكتبهم :
{ أتحاجوننا في الله } ؟ أي أتجاذبوننا( {[1325]} ) الحجة على دعواكم ، والرب تعالى واحد وكل مجازى بعمله ، فأي تأثير لقدم الدين( {[1326]} ) ؟ ، ثم وبخوا بقوله { ونحن له مخلصون } أي ولم تخلصوا أنتم ، فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم ؟ .
وقرأ ابن محيصن «أتحاجونا » بإدغام النون في النون ، وخف الجمع بين ساكنين لأن الأول حرف مد ولين ، فالمد كالحركة ، ومن هذا الباب دابة وشابة ، و { في الله } معناه في دينه والقرب منه والحظوة لديه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.