النصر : التغلب على العدو ، والإِعانة على بلوغ الغاية ، ومنه قولهم : قد نصر الغيث الأرض ، أي : أعان على إظهار نباتها .
والمراد به هنا : إعانة الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه ، حتى حقق له النصر عليهم .
والفتح : يطلق على فتح البلاد عَنْوَةً والتغلب على أهلها ، ويطلق على الفصل والحكم بين الناس ، ومنه قوله - تعالى - : { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين } والمراد به : هنا فتح مكة . وما ترتب عليه من إعزاز الدين ، وإظهار كلمة الحق .
قال الإِمام ابن كثير : والمراد بالفتح هنا فتح مكة قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم - أي : تنتظر - بإسلامها فتح مكة ، يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي ، فلما فتح الله عليه مكة ، دخلوا فى دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت - أي : اجتمعت - جزيرة العرب على الإِيمان ، ولم يبق فى سائر قبائل العرب إلا مظهر للإِسلام ، ولله الحمد والمنة .
ودخول الناس في الإسلام { أفواجاً } ، كان بين فتح مكة إلى موته صلى الله عليه وسلم ، قال أبو عمر بن عبد البر النمري رحمه الله في كتاب الاستيعاب في الصحابة في باب أبي خراش الهذلي : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر ، بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف ، منهم من قدم ومنهم من قدم وفده ، ثم كان بعده من الردة ما كان ، ورجعوا كلهم إلى الدين .
قال القاضي أبو محمد : والمراد -والله أعلم- العرب عبدة الأوثان ، وأما نصارى بني تغلب فما أراهم أسلموا قط في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن أعطوا الجزية ، والأفواج : الجماعة إثر الجماعة ، كما قال تعالى : { ألقي فيها فوج }{[12014]} [ الملك : 8 ] وقال مقاتل : المراد بالناس أهل اليمن ، وفد منهم سبعمائة رجل ، وقاله عكرمة : وقال الجمهور : المراد جميع وفود العرب ؛ لأنهم قالوا : إذا فتح الحرم لمحمد عليه السلام ، وقد حماه الله من الحبشة وغيرهم ، فليس لكم به يدان . وذكر جابر بن عبد الله فرقة الصحابة فبكى ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «دخل الناس في الدين أفواجاً ، وسيخرجون منه أفواجاً {[12015]} » .
والرؤية في قوله : { ورأيت الناس } يجوز أن تكون علمية ، أي وعلمت علم اليقين أن الناس يدخلون في دين الله أفواجاً وذلك بالأخبار الواردة من آفاق بلاد العرب ومواطن قبائلهم وبمَنْ يحضر من وفودهم . فيكون جملة { يدخلون } في محل المفعول الثاني ل { رأيت } .
ويجوز أن تكون رؤية بصرية بأن رأى أفواج وفود العرب يردون إلى المدينة يدخلون في الإِسلام وذلك سنة تسع ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ببصره ما علم منه دخولهم كلهم في الإِسلام بمن حضر معه الموقف في حجة الوداع فقد كانوا مائة ألف من مختلف قبائل العرب فتكون جملة { يدخلون } في موضع الحال من الناس .
و{ دين اللَّه } هو الإِسلام لقوله تعالى : { إن الدين عند اللَّه الإسلام } [ آل عمران : 19 ] وقوله : { فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت اللَّه التي فطر الناس عليها } [ الروم : 30 ] .
والدخول في الدين : مستعار للنطق بكلمة الشهادة والتزام أحكام الدين الناشئة عن تلك الشهادة . فشُبه الدين ببيت أو حظيرة على طريقة المكنية ورمز إليه بما هو من لوازم المشبه به وهو الدخول ، على تشبيه التلبس بالدين بتلبس المظروف بالظرف ، ففيه استعارة أخرى تصريحية .
و{ الناس } : اسم جمع يدل على جماعة من الآدميين ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا باللَّه } في سورة [ البقرة : 8 ] .
وإذا عُرّف اسم ناس باللام احتملت العهد نحو : { الذين قال لهم الناس } [ آل عمران : 173 ] ، واحتملت الجنس نحو : { إن الناس قد جمعوا لكم } [ آل عمران : 173 ] واحتملت الاستغراق نحو : { ومن الناس من يقول } [ البقرة : 8 ] ونحو : { قل أعوذ برب الناس } [ الناس : 1 ] .
والتعريف في هذه الآية للاستغراق العرفي ، أي جميع الناس الذين يخطرون بالبال لعدم إرادة معهودين معينني ولاستحالة دخول كل إنسان في دين الله بدليل المشاهدة ، فالمعنى : ورأيتَ ناساً كثيرين أو ورأيت العرب .
قال ابن عطية : « قال أبو عُمر بن عبد البر النمري رحمه الله في كتاب « الاستيعاب » في باب خراش الهذلي : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر بل دخل الكل في الإِسلام بعد حُنين والطائِف ، منهم من قدِم ومنهم من قدِم وافده » اه . وإنما يراد عرب الحجاز ونجد واليمن لأن مِن عرب الشام والعراق من لم يدخلوا في الإِسلام ، وهم : تَغلب وغسان في مشارف الشام والشامِ ، وكذلك لخم وكلب من العراق فهؤلاء كانوا نصارى ولم يسلم من أسلم منهم إلا بعد فتح الشام والعراق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون في دين الله رؤية بصرية .
ويجوز أن يكون اللَّهُ أعلمه بذلك إن جعلنا الرؤية علمية .
والأفواج : جمع فوج وهو الجماعة الكثيرة ، وتقدم عند قوله تعالى : { هذا فوج مقتحم معكم } في سورة [ ص : 59 ] ، أي يدخلون في الإِسلام قبائل ، وانتصب { أفواجاً } على الحال من ضمير { يدخلون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.