تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

{ 36 - 37 } { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ }

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي : أليس من كرمه وجوده ، وعنايته بعبده ، الذي قام بعبوديته ، وامتثل أمره واجتنب نهيه ، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه ، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه ، ويدفع عنه من ناوأه بسوء .

{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء ، وهذا من غيهم وضلالهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

ثم بين - سبحانه - عصمته لنبيه صلى الله عليه وسلم بأبلغ وجه وأتمه فقال { أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ } .

وقراءة الجمهور : { عبده } بالإِفراد وقرأ حمزة والكسائى : { عباده } والاستفهام للتقرير .

قال القرطبى : وذلك أنهم خوفوا النبى صلى الله عليه وسلم مضرة الأوثان فقالوا له : أتسب آلهتنا لئن لم تنته عن ذكرها لتصيبنك بالسوء .

وقال قتادة : مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس ، فقال له سادتها : احذرك منها يا خالد ، فإن لها شدة لا يقوم لها شئ . فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها ، وتخويفهم لخالد تخويف للنبى صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذى أرسله . ويدخل فى الآية تخويفهم النبى صلى الله عليه وسلم بكثرة جميعهم وقوتهم . .

والمعنى : أليس الله - تعالى - بكاف عبده محمدا صلى الله عليه وسلم من كل سوء ؟ وكاف عباده المؤمنين الصادقين من أعدائهم ؟ بلى إنه - سبحانه - لعاصم نبيه صلى الله عليه وسلم من أعدائه ، ولناصر عباده المتقين على من ناوأهم .

والحال أن هؤلاء المشركين يخوفونك - أيها الرسول الكريم - من أصنامهم التى يعبدونها من دونه - تعالى - ، مع أن هذه الآلهة الباطلة أتفه من أن تدافع عن نفسها فضلا عن غيرها .

{ وَمَن يُضْلِلِ الله } أى : من يضلله الله - تعالى - { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يهديه إلى الصراط المستقيم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

وقوله تعالى : { أليس الله بكاف عبده } تقوية لنفس النبي عليه السلام ، لأن كفار قريش كانت خوفته من الأصنام ، وقالوا يا محمد أنت تسبها ونخاف أن تصيبك بجنون أو علة ، فنزلت الآية في ذلك .

وقرأ حمزة والكسائي : «عباده » يريد الأنبياء المختصين به ، وأنت أحدهم ، فيدخل في ذلك المطيعون من المؤمنين والمتوكلون على الله ، وهذه قراءة أبي جعفر ومجاهد وابن وثاب وطلحة والأعمش . وقرأ الباقون : «عبده » وهو اسم جنس ، وهي قراءة الحسن وشيبة وأهل المدينة ويقوي أن الإشارة إلى محمد عليه السلام قوله : { ويخوفونك } .

وقوله : { من دونه } يريد بالذين يعبدون من دونه ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى كسر العزى ، فقال سادنها{[9898]} : يا خالد ، إني أخاف عليك منها ، فلها قوة لا يقوم لها شيء ، فأخذ خالد الفأس فهشم به وجهها وانصرف{[9899]} .


[9898]:السادن: هو الخادم والقائم على حمايتها.
[9899]:أخرجه ابن حميد، وابن أبي حاتم، وابن جرير، عن قتادة.(الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (36)

{ أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ } .

لمّا ضرب الله مثلاً للمشركين والمؤمنين بمَثَل رجل فيه شركاء متشاكسون ورجلٍ خالصٍ لرجل ، كان ذلك المثَل مثيراً لأن يقول قائِلُ المشركين لَتَتَأَلبَنَّ شركاؤنا على الذي جاء يحقرها ويسبها ، ومثيراً لحمية المشركين أن ينتصروا لآلهتهم كما قال مشركو قوم إبراهيم { حرقوه وانصروا آلهتكم } [ الأنبياء : 68 ] . وربما أنطقتهم حميتُهم بتخويف الرسول ، ففي الكشاف } و« تفسير القرطبي » : أن قريشاً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم « إنّا نخاف أن تُخْبِلَك آلهتُنا وإنا نخشى عليك معرتها ( بعين بعد الميم بمعنى الإِصابة بمكروه يَعنون المضرة ) لعيبك إياها » . وفي « تفسير ابن عطية » ما هو بمَعنى هذا ، فلمَّا حكى تكذيبَهم النبي عطف الكلام إلى ما هددوه به وخوفوه من شر أصنامهم بقوله : { أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه } .

فهذا الكلام معطوف على قوله : { ضَربَ الله مثَلاً رجُلاً فيه شُركاء } [ الزمر : 29 ] الآية والمعنى : أن الله الذي أفردتَه بالعبادة هو كافيك شر المشركين وباطل آلهتهم التي عبدوها من دونه ، فقوله : أليس الله بكاففٍ عبده } تمهيد لقوله : و { يخوفونك بالذين من دونه } قدم عليه لتعجيل مساءة المشركين بذلك ، ويستتبع ذلك تعجيل مسرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله ضامن له الوقاية كقوله : { فسيكفيكهم اللَّه } [ البقرة : 137 ] .

وأصل النظم : ويُخوّفونك بالذين من دون الله والله كافيك ، فغُير مجرى النظم لهذا الغرض ، ولك أن تجعل نظم الكلام على ترتيبه في اللفظ فتجعل جملة { أليس الله بكاف عبده } استئنافاً ، وتصير جملة { ويخوفونك } حالاً .

ووقع التعبير عن النبي صلى الله عليه وسلم بالاسم الظاهر وهو { عَبْدَه } دون ضمير الخطاب لأن المقصود توجيه الكلام إلى المشركين ، وحُذف المفعول الثاني ل { كافٍ } لظهور أن المقصود كافيك أَذاهُم ، فأما الأصنام فلا تستطيع أذىً حتى يُكْفاه الرسول صلى الله عليه وسلم والاستفهام إنكار عليهم ظنّهم أن لا حامِيَ للرسول صلى الله عليه وسلم من ضرّ الأصنام . [ والمراد ب { عَبْدَه } هو الرسول صلى الله عليه وسلم لا محالة وبقرينة و { يُخوفونك } .

وفي استحضار الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية وإضافته إلى ضمير الجلالة ، معنى عظيم من تشريفه بهذه الإِضافة وتحقيققِ أنه غير مُسلمِه إلى أعدائه .

والخطاب في { ويخوفونك } للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو التفات من ضمير الغيبة العائد على { عبده } ، ونكتةُ هذا الإلتفات هو تمحيض قصد النبي بمضمون هذه الجملة بخلاف جملة { أليس الله بكاف عبده } كما علمت آنفاً .

و { الذين من دونه } هم الأصنام . عُبر عنهم وهم حجارة بمَوصول العقلاءِ لكثرة استعمال التعبير عنهم في الكلام بصيغ العقلاء . و { من دونه } صلة الموصول على تقدير محذوف يتعلق به المجرور دل عليه السياق ، تقديره : اتخذُوهم من دونه أو عبَدُوهم من دونه .

ووقع في « تفسير البيضاوي » أن سبب نزول هذه الآية هو خبر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى هدم العُزّى وأن سادن العزّى قال لخالد : أحذِّرُكَها يا خالد فإن لها شدةً لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إلى العزّى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس فأنزل الله هذه الآية .

وتأول الخطاب في قوله : { ويخوفونك } بأن تخويفهم خالداً أرادوا به تخويف النبي صلى الله عليه وسلم فتكون هذه الآية مدنية وسياق الآية ناببٍ عنه . ولعل بعض من قال هذا إنما أراد الاستشهاد لتخويف المشركين النبي صلى الله عليه وسلم من أصنامهم بمثال مشهور .

وقرأ الجمهور { بكاففٍ عبده } . وقرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف { عبادَه } بصيغة الجمع أي النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فإنهم لما خوَّفوا النبي صلى الله عليه وسلم فقد أرادوا تخويفه وتخويف أتباعه وأن الله كفاهم شرهم .

{ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

اعتراض بين جملة { أليس الله بكاف عبده } الآية وجملةِ { أليس الله بعزيز ذي انتقام } قصد من هذا الاعتراض أن ضلالهم داء عَياء لأنه ضلال مكوَّن في نفوسهم وجبلّتهم قد ثبّتته الأيام ، ورسخه تعاقب الأجيال ، فَران بغشاوته على ألبابهم ، فلما صار ضلالهم كالمجبول المطبوع أسند إيجاده إلى الله كناية عن تعسر أو تعذر اقتلاعه من نفوسهم .

وأريد من نفي الهادي من قوله : { فما له من هاد } نفي حصول الاهتداء ، فكني عن عدم حصول الهدى بانتفاء الهادي لأن عدم الاهتداء يجعل هاديهم كالمنفي . وقد تقدم قوله في سورة [ الأعراف : 186 ] { من يضلل اللَّه فلا هادي له . } والآيتان متساويتان في إفادة نفي جنس الهادي ، إلا أن إفادة ذلك هنا بزيادة مِن } تنصيصاً على نفي الجنس . وفي آية الأعراف ببناء هادي على الفتح بعد ( لا ) النافية للجنس فإن بناء اسمها على الفتح مشعر بأن المراد نفي الجنس نصًّا . والاختلاف بين الأسلوبين تفنن في الكلام وهو من مقاصد البلغاء .

وتقديم { له } على { هَادٍ } للاهتمام بضميرهم في مقام نفي الهادي لهم لأن ضلالهم المحكي هنا بالغ في الشناعة إذا بلغ بهم حدَّ الطمع في تخويف النبي بأصنامهم في حال ظهور عدم اعتداده بأصنامهم لكل متأمل مِن حالِ دعوته ، وإذْ بلغ بهم اعتقاد مقدرة أصنامهم مع الغفلة عن قدرة الرب الحَقّ ، بخلاف آية الأعراف فإن فيها ذكر إعراضهم عن النظر في ملكوت السماوات والأرض وهو ضلال دون ضلال التخويف من بأس أصنامهم .