ثم أخبر عن النفقة الصادرة عن رياء وسمعة وعدم إيمان به فقال : { وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ } أي : ليروهم ويمدحوهم ويعظموهم { وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } أي : ليس إنفاقهم صادرا عن إخلاص وإيمان بالله ورجاء ثوابه . أي : فهذا من خطوات الشيطان وأعماله التي يدعو حزبه إليها ليكونوا من أصحاب السعير . وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وأزهم إليها فلهذا قال : { وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا } أي : بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهلاك من قارنه ويسعى فيه أشد السعي .
فكما أن من بخل بما آتاه الله ، وكتم ما مَنَّ به الله عليه عاص آثم مخالف لربه ، فكذلك من أنفق وتعبد لغير الله فإنه آثم عاص لربه مستوجب للعقوبة ، لأن الله إنما أمر بطاعته وامتثال أمره على وجه الإخلاص ، كما قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } فهذا العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب فلهذا حث تعالى عليه بقوله :
وقوله - تعالى { والذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَآءَ الناس وَلاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر } معطوف على { الذين يَبْخَلُونَ } .
وإنما شاركوهم فى الذم وسوء العاقبة لأن البخل بإظهار نعم الله فى مواضع الخير وكتمانها ، يستوى مع الإِنفاق الذى لا يقصد به وجه الله فى القبح واستجلاب العقاب ، إذ أن الذى ينفق ماله على سبيل الرياء والسمعة لا يتوخى به مواقع الحاجة ، فقد يعطى الغنى ويمنع الفقير ، وقد يبذل الكثير من المال ولكن فى المفاسد والشرور والمظاهر الكاذبة .
والمعنى : والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس أى قاصدين بإنفاقهم الرياء والسمعة لا وجه الله - تعالى - ولا يؤمنون بالله الذى له الخلق والأمر ، ولا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب . . . هؤلاء الذين يفعلون ذلك ببغضهم الله - تعالى - ، ويجازيهم بما يستحقون من عذاب أليم .
روى مسلم عن أبى هريرة قال : " سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله - تبارك وتعالى - : أنا أغنى الشركاء عن الشرك . من عمل عملا اشرك معى فيه غيرى تركته وشركه " .
وقوله { وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } جملة معترضة لبيان أن صحبتهم للشيطان ومطاوعتهم له هى التى دفعتهم إلى البخل وإلى الرياء وإلى عدم الإِيمان بالحق الذى آمن به العقلاء من الناس .
والمراد بالشيطان هنا : كل ما يغرى الإِنسان بالشر ويدفعه إليه من الانس أو الجن . والقرين : هو المصاحب والملازم للإِنسان . فهو فعيل بمعنى مفاعل ، كخليط بمعنى المخالط . وساء هنا : بمعنى بئس . وقرينا تمييز مفسر للضمير المستكين فى ساء .
والمخصوص بالذم محذوف وهو الشيطان الذى يدفع الإِنسان إلى الشرور الآثام .
والمعنى ومن يكن الشيطان مقارنا ومصاحبا له فبئس المصاحب وبئس المقارن الشيطان لأنه يدعوه إلى المعاصى التى تفضى به إلى النار .
وفى الآية الكريمة إشارة إلى أن قرناء السوء يفسدون الأخلاق : لأن عدوى الأخلاق تسرى بالمجاورة ، كما تسرى عدوى الأمراض البدنية .
والمقصود من الجملة الكريمة نهى الناس عن طاعة شياطين الإِنس والجن الذين يحرضون على ارتكاب الفواحش والقبائح ، ويزينون لأتباعهم الشرور والآثام .
{ والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } عطف على الذين يبخلون ، أو الكافرين . وإنما شاركهم في الذم والوعيد لأن البخل والسرف الذي هو الإنفاق لا على من ينبغي من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم ، أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله : { ومن يكن الشيطان له قرينا } . { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } ليتحروا بالإنفاق مراضيه وثوابه وهم مشركو مكة . وقيل هم المنافقون . { ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا } تنبيه على أن الشيطان قرنهم فحملهم على ذلك وزينة لهم كقوله تعالى : { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } . والمراد إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة ، ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن يقرن بهم الشيطان في النار .
عطف { والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } على { الذين يبخلون } : لأنّهم أنفقوا إنفاقاً لا تحصل به فائدة الإنفاق غالباً ، لأنّ من ينفق ماله رئاء لا يتوخّى به مواقع الحاجة ، فقد يعطي الغنيّ ويمنع الفقير ، وأريد بهم هنا المنفقون من المنافقين المشركين ، ولذلك وصفوا بأنّهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، وقيل : أريد بهم المشركون من أهل مكة ، وهو بعيد ، لأنّ أهل مكة قد انقطع الجدال معهم بعد الهجرة .
وجملة : { ومن يكن الشيطان له قرينا } معترضة .
وقوله : { فساء قريناً } جواب الشرط . والضمير المُستتر في ( ساء ) إن كان عائداً إلى الشيطان ف ( ساءَ ) بمعنى بئس ، والضمير فاعلها ، و { قرينا } تمييز للضمير ، مثل قوله تعالى : { ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا } [ الأعراف : 177 ] ، أي : فساء قرينا له ، ليحصل الربط بين الشرط وجوابه ، ويجوز أن تبقى ( ساء ) على أصلها ضَدّ حَسُن ، وترفع ضميرا عائداً على ( مَن ) ويكون ( قريناً ) تمييز نسبة ، كقولهم : « ساءَ سمعاً فَسَاء جَابَةً » أي فساءَ من كان الشيطان قرينَهُ من جهة القَرين ، والمقصود على كلا الاحتمالين سوء حال من كان الشيطان له قريناً بإثبات سوء قرينه ؛ إذ المرء يعرف بقرينه ، كما قال عديّ بن زيد :
فَكُلّ قرينٍ بالمُقَارن يَقْتَدي
وقوله : { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر } عطف على الجملتين ، وضمير الجمع عائد إلى الفريقين ، والمقصود استنزال طائرهم ، وإقامة الحجّة عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.