تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي : لما حكم به شرعًا وقدرًا ، فالحكم القدري ، يصبر على المؤذي منه ، ولا يتلقى بالسخط والجزع ، والحكم الشرعي ، يقابل بالقبول والتسليم ، والانقياد التام لأمره .

وقوله : { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ } وهو يونس بن متى ، عليه الصلاة والسلام أي : ولا تشابهه في الحال ، التي أوصلته ، وأوجبت له الانحباس في بطن الحوت ، وهو عدم صبره على قومه الصبر المطلوب منه ، وذهابه مغاضبًا لربه ، حتى ركب في البحر ، فاقترع أهل السفينة حين ثقلت بأهلها أيهم يلقون لكي تخف بهم ، فوقعت القرعة عليه فالتقمه الحوت وهو مليم [ وقوله ] { إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } أي : وهو في بطنها قد كظمت عليه ، أو نادى وهو مغتم مهتم بأن قال { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فاستجاب الله له ، وقذفته الحوت من بطنها بالعراء وهو سقيم ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، ولهذا قال هنا : { لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

وما دام الأمر كما ذكرنا لك { فاصبر } أيها الرسول الكريم - لحكم ربك ، ولقضائه فيك وفيهم ، وسر فى طريقك التى كلفناك به ، وهو تبليغ رسالتنا إلى الناس . . وستكون العاقبة لك ولأتباعك .

{ وَلاَ تَكُن } - أيها الرسول الكريم - { كَصَاحِبِ الحوت } وهو يونس - عليه السلام - .

أى : لا يوجد منك ما وجد منه ، من الضجر ، والغضب على قومه الذين لم يؤمنوا ، ففارقهم دون أن يأهذ له ربه بمفارقتهم . .

والظرف فى قوله : { إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ } منصوب بمضاف محذوف ، وجملة { وَهُوَ مَكْظُومٌ } فى محل نصب على الحال من فاعل " نادى " .

والمكظوم - بزنة مفعول - : المملوء غضبا وغيظا وكربا ، مأخوذ من كظم فلان السقاء إذا ملأه ، وكظم الغيظ إذا حبسه وهو ممتلئ به .

أى : لا يكن حالك كحال صاحب الحوت ، وقت ندائه لربه - عز وجل - وهو مملوء غيظا وكربا ، لما حدث له مع قومه ، ولما أصابه من بلاء وهو فى بطن الحوت .

وهذا النداء قد أشار إليه - سبحانه - فى آيات منها قوله - تعالى - :

{ وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين . فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم وكذلك نُنجِي المؤمنين }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

فاصبر لحكم ربك وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم ولا تكن كصاحب الحوت يونس عليه الصلاة والسلام إذ نادى في بطن الحوت وهو مكظوم مملوء غيظا من الضجر فتبتلي ببلائه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

ثم أمر تعالى نبيه بالصبر لحكمه ، وأن يمضي لما أمر به من التبليغ واحتمال الأذى والمشقة ، ونهى عن الضجر والعجلة التي وقع فيها يونس صلى الله عليه وسلم ، ثم اقتضبت القصة ، وذكر ما وقع في آخرها من ندائه من بطن الحوت { وهو مكظوم } ، أي غيظه في صدره . وحقيقة الكظم : هو الغيظ والحزن والندم فحمل المكظوم عليه تجوزاً ، وهو في الحقيقة كاظم ، ونحو هذا قول ذي الرمة : [ البسيط ]

وأنت من حب مني مضمر حزناً . . . عاني الفؤاد قريح القلب مكظوم{[11267]}

وقال النقاش : المكظوم ، الذي أخذ بكظمه وهو مجاري القلب ، ومنه سميت الكاظمة وهي القناة في جوف الأرض{[11268]} .


[11267]:الحزن والحزن بمعنى واحد، قال تعالى: (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)، وقد فرق بعض اللغويين بينهما تفرقة لا تخرجهما عن أن المعنى فيهما ضد الفرح، والمكظوم: الحزين الذي يخفي حزنه ويكتمه فيسبب له ألما أكثر، وهو موضع الاستشهاد هنا. وقد كثر الكلام في معنى القرح وفي التفريق بينه وبين الجرح، والمعنى في النهاية واحد.
[11268]:هكذا جاءت كلمة "الكاظمة" في الأصول، والذي في لسان العرب أن "الكاظمة" موضع قال امرؤ القيس: إذا هن أقساط كرجل الدبى أو كقطا كاظمة الناهل أما القناة التي في جوف الأرض فتسمى "الكظامة" قال في اللسان: "قناة في باطن الأرض يجري فيها الماء، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ منها ومسح على خفيه، الكظامة كالقناة، وجمعها كظائم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

تفريع على ما تقدم من إبطال مزاعم المشركين ومطاعنهم في القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وما تبعه من تكفل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بعاقبة النصر ، وذلك أن شدته على نفس النبي صلى الله عليه وسلم من شأنها أن تُدخل عليه يَأْساً من حصول رغبته ونجاح سعيه ، ففرع عليه تثبيتهُ وحثه على المصابرة واستمراره على الهَدْي ، وتعريفه بأن ذلك التثبيت يرفع درجته في مقام الرسالة ليكون من أولي العزم ، فذكَّره بمثَل يونس عليه السلام إذْ استعجل عن أمر ربّه ، فأدبه الله ثم اجتباه وتاب عليه وجعله من الصالحين تذكيراً مراداً به التحذير .

والمراد بحكم الربّ هنا أمره وهو ما حُمله إياه من الإِرسال والاضطلاع بأعباء الدعوة . وهذا الحكم هو المستقرأ من آيات الأمر بالدعوة التي أولها { يا أيها المدثر قم فأنذر } إلى قوله : { ولربك فاصبر } [ المدثر : 17 ] فهذا هو الصبر المأمور به في هذه الآية أيضاً . ولا جرم أن الصبر لذلك يستدعي انتظار الوعد بالنصر وعدم الضجر من تأخره إلى أمده المقدر في علم الله .

وصاحب الحوت : هو يونس بن متَّى ، وقد تقدم ذكره عند قوله تعالى : { ووهبنا له إسحاق } إلي قوله : { ويونس } في سورة الأنعام ( 84 86 ) .

والصاحب : الذي يصحب غيره ، أي يكون معه في بعض الأحوال أو في معظمها ، وإطلاقه على يونس لأن الحوت التقمه ثم قذفه فصار ( صاحبُ الحوت ) لقباً له لأن تلك الحالة معيَّة قوية .

وقد كانت مؤاخذةُ يونس عليه السلام على ضجره من تكذيب قومه وهم أهل نِينَوى كما تقدم في سورة الصافات .

و { إذْ } طرف زمان وهو وجملته متعلق باستقرار منصوب على الحال أي في حالة وقت ندائه ربّه ، فإنه ما نادى ربّه إلاّ لإِنقاذه من كربه الذي وقع فيه بسبب مغاضبته وضجره من قومه ، أي لا يكن منك ما يلجئك إلى مثل ندائه .

والمكظوم : المحبوس المسدود عليه يقال : كظم الباب أغلقَه وكظَم النهر إذا سده ، والمعنى : نادى في حال حبسه في بطن الحوت .

وجيء بهذه الحال جملة اسمية لدلالتها على الثبات ، أي هو في حبس لا يرجى لمثله سراح ، وهذا تمهيد للامتنان عليه بالنجاة من مثل ذلك الحبس .