تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم ، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر ، فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم ، مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه ، لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ ، لا بد من نفوذه ووقوعه ، فلا سبيل إلى دفعه ، ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر ، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم ، وإنما أدركوه بفضل الله ومنه ، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم ، ولهذا قال : { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي : متكبر فظ غليظ ، معجب بنفسه ، فخور بنعم الله ، ينسبها إلى نفسه ، وتطغيه وتلهيه ، كما قال تبارك وتعالى : { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بل هي فتنة }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

ثم بين - سبحانه - الحكم التى من أجلها فعل ذلك فقال : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } .

فاللام فى قوله : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ . . . } متعلقة بحذوف . وقوله : { تَأْسَوْاْ } من الأسى ، وهو الحزن والضيق الشديد . يقال : أسى فلان على كذا - كفرح - فهو يأسى أسى ، إذا حزن واغتم لما حدث ، ومنه قوله - تعالى - حكاية عن شعيب - عليه السلام - :

{ فتولى عَنْهُمْ وَقَالَ ياقوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى على قَوْمٍ كَافِرِينَ } أى : فعلنا ما فعلنا من إثبات ما يصيبكم فى كتاب من قبل خلقكم ، وأخبرناكم بذلك ، لكى لا تحزنوا على ما أصابكم من مصائب حزنا يؤدة بكم إلى الجزع ، وإلى عدم الرضا بقضاء الله وقدره ولكى لا تفرحوا بما أعطاكم الله - تعالى - من نعم عظمى وكثيرة . . . . فرحا يؤدى بكم إلى الطغيان وإلى عدم استعمال نعم الله - تعالى - فيما خلقت له . . . فإن من علم ذلك علما مصحوبا بالتدبر والاتعاظ . . . هانت عليه المصائب ، واطمأنت نفسه لما قضاه الله - تعالى - وكان عند الشدائد صبورا ، وعند المسرات شكورا .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : يعنى : أنكم إذا علمتم أن كل شىء مقدر مكتوب عند الله ، قل أساكم على الفائت ، وفرحكم على الآتى ، لأن من علم أن ما عنده مفقود لا محالة ، لم يتفاقم جزعه عند فقده ، لأنه وطن نفسه على ذلك ، وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه ، وأن وصوله لا يفوته بحال ، لم يعظم فرحه عند نيله .

فإن قلت : فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به ، ولا عند منفعة ينالها ، أن لا يحزن ولا يفرح ؟

قلت : المراد الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله - تعالى - ورجاء ثواب الصابرين ، والفرح المطغى الملهى عن الشكر .

فأما الحزن الذى لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام ، والسرور بنعمة الله ، والاعتداد بها مع الشكر ، فلا بأس بهما .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } .

أى : والله - تعالى - لا يحب أحداً من شأنه الاختيال بما آتاه - سبحانه - من نعم دون أن يشكره - تعالى - عليها ، ومن شأنه - أيضاً - التفاخر والتباهى على الناس بما عنده من أموال وأولاد . . . وإنما يحب الله - تعالى - من كان من عباده متواضعا حليما شاكرا لخالقه - عز وجل - .

فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد سكبتا فى قلب المؤمن ، كل معانى الثقة والرضا بقضاء الله فى كل الأحوال .

وليس معنى ذلك عدم مباشرة الأسباب التى شرعها الله - تعالى - لأن ما سجله الله فى كتابه علينا قبل أن يخلقنا ، لا علم لنا به ، وإنما علمه مرده إليه وحده - تعالى - .

وهو - سبحانه - لا يحاسبنا على ما نجهله ، وإنما يحاسبنا على ما أمرنا به ، أو نهانا عنه ، عن طريق رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

وكما سجل - سبحانه - أحوالنا قبل أن يخلقنا ، فقد شرع الأسباب وأمرنا بمباشرتها ، وبين لنا فى كثير من آياته ، أن جزاءنا من خير أو شر على حسب أعملنا .

وعندما قال بعض الصحابة للنبى - صلى الله عليه وسلم - : " أفلا نتكل على ما قدره الله علينا ؟

أجابهم بقوله : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

وقوله : { لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } أي : أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا{[28304]} للأشياء قبل كونها ، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها ، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ، فلا تأسوا على ما فاتكم ، فإنه{[28305]} لو قدر شيء لكان { وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } أي : جاءكم ، ويقرأ : " آتاكُم " أي : أعطاكم . وكلاهما متلازمان ، أي : لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم ، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم ، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم ، فلا تتخذوا نعم {[28306]} الله أشرًا وبطرًا ، تفخرون بها على الناس ؛ ولهذا قال : { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي : مختال في نفسه متكبر فخور ، أي : على غيره .

وقال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفَرَح شكرًا والحزن صبرًا .


[28304]:- (1) في أ: "كتابنا".
[28305]:- (2) في م: "لأنه".
[28306]:- (3) في أ: "نعمة".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

وقوله تعالى : { لكي لا تأسوا } معناه : فعل الله ذلك كله وأعلمكم به ليكون سبب تسليمكم وقلة اكتراثكم بأمر الدنيا ، فلا تحزنوا على ما فات ، ولا تفرحوا الفرح المبطر بما آتاكم منها . قال ابن عباس : ليس أحد إلا يفرح ويحزن ، ولكن من أصابته مصيبة يجعلها صبراً ، من أصاب خيراً يجعله شكراً .

وقرأ أبو عمرو وحده : «أتاكم » على وزن مضى ، وهذا ملائم لقوله : { فاتكم } . وقرأ الباقون من السبعة : «آتاكم » ، على وزن أعطاكم ، بمعنى آتاكم الله تعالى ، وهي قراءة الحسن والأعرج وأهل مكة . وقرأ ابن مسعود : «أوتيتم » ، وهي تؤيد قراءة الجمهور .

وقوله تعالى : { والله لا يحب كل مختال فخور } يدل على أن الفرح المنهي عنه إنما هو ما أدى إلى الاختيال ، والفخر بنعم الله المقترن بالشكر والتواضع فأمر لا يستطيع أحد دفعه عن نفسه ولا حرج فيه .