{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ } كذب يعرف بخبر الله ، وخبر رسله ، ويعرف بالعقل الصحيح ، ولهذا نبه تعالى على الدليل العقلي ، على امتناع إلهين فقال : { إِذًا } أي : لو كان معه آلهة كما يقولون { لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ } أي : لانفرد كل واحد من الإلهين بمخلوقاته ، واستقل بها ، ولحرص على ممانعة الآخر ومغالبته ، { وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } فالغالب يكون هو الإله ، وإلا فمع التمانع لا يمكن وجود العالم ، ولا يتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول ، واعتبر ذلك بالشمس والقمر ، والكواكب الثابتة ، والسيارة ، فإنها منذ خلقت ، وهي تجري على نظام واحد ، وترتيب واحد ، كلها مسخرة بالقدرة ، مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم ، ليست مقصورة على مصلحة أحد دون أحد ، ولن ترى فيها خللا ولا تناقضا ، ولا معارضة في أدنى تصرف ، فهل يتصور أن يكون ذلك ، تقدير إلهين ربين ؟ "
{ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } قد نطقت بلسان حالها ، وأفهمت ببديع أشكالها ، أن المدبر لها إله واحد كامل الأسماء والصفات ، قد افتقرت إليه جميع المخلوقات ، في ربوبيته لها ، وفي إلهيته لها ، فكما لا وجود لها ولا دوام إلا بربوبيته ، كذلك ، لا صلاح لها ولا قوام إلا بعبادته وإفراده بالطاعة ،
ثم وبخهم - سبحانه - على قولهم إن لله ولداً وشريكاً فقال : { مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ . . . } .
أى : لم يتخذ الله - تعالى - ولداً - كما يزعم هؤلاء الجاهلون ، لأنه - سبحانه - منزه عن ذلك . ولم يكن معه من إله يشاركه فى ألوهيته وربوبيته - عز وجل -ز
ولو كان الأمر كما يزعمون { لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ } واستقل به عن غيره . { وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ } أى : ولحدث بينهم التحارب والتغالب . . . ولفسد هذا الكون ، كما قال - تعالى - : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا . . . } { سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ } أى : تنزه الله - تعالى - وتقدس عما يصفه به هؤلاء الجاهلون . فهو - سبحانه - الواحد الأحد . الفرد الصمد ، الذى لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .
ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك ، فقال : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } أي : لو قُدِّر تعدد الآلهة ، لانفرد كل منهم بما يخلق ، فما كان ينتظم الوجود . والمشاهد أن الوجود منتظم متسق ، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض ، في غاية الكمال ، { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ } [ الملك : 3 ] ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه ، فيعلو بعضهم على بعض . والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع ، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا ، فأراد واحد تحريك جسم وأراد الآخر سكونه ، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين ، والواجب لا يكون عاجزًا ، ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد . وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد ، فيكون محالا فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر ، كان الغالب هو الواجب ، والآخر المغلوب ممكنًا ؛ لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا ؛ ولهذا قال : { وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي : عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك علوا كبيرا .
{ ما اتخذ الله من ولد } لتقدسه عن مماثلة أحد . { وما كان معه من إله } يساهمه في الألوهية . { إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } جواب محاجتهم وجزاء شرط حذف لدلالة ما قبله عليه ، أي لو كان معه آلهة كما تقولن للذهب كل منهم بما خلقه واستبد به وامتاز ملكه عن ملك الآخرين وظهر بينهم التحارب والتغالب كما هو حال ملوك الدنيا ، فلم يكن بيده وحده ملكوت كل شيء واللازم باطل بالإجماع والاستقراء وقيام البرهان على استناد جميع الممكنات إلى واجب واحد . { سبحان الله عما يصفون } من الولد والشريك لما سبق من الدليل على فساده .
وفي قوله تعالى : { وما كان معه من إله } دليل على التمانع وهذا هو الفساد الذي تضمنه قوله { ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا }{[8533]} [ الأنبياء : 22 ] والجزء المخترع محال أن يتعلق به قدرتان فصاعداً أو يختلف الإلهان في إرادة فمحال نفوذهما ومحال عجزهما فإذا نفذت إرادة الواحد فهو العالي والآخر ليس بإله ، فإذا قيل نقدرهما{[8534]} لا يختلفان في إرادة قيل ذلك بفرض ، فإذا جوزه الكفار قامت الحجة فإن ما التزم جوازه جار{[8535]} في الحجة جرى ما التزم وقوعه ، وقوله { إذاً } جواب لمحذوف تقديره لو كان معه إله { إذاً لذهب } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم «عالمِ » بكسر الميم اتباعاً للمكتوبة{[8536]} في قوله { سبحان الله } ، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم «عالمُ » بالرفع والمعنى هو «عالم » قال الأخفش : الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحدٍ قال أبو علي : ووجهه الرفع إن الكلام قد انقطع .
قال الفقيه الإمام القاضي : والابتداء عندي{[8537]} أبرع والفاء في قوله { فتعالى } عاطفة بالمعنى كأنه قال : علم الغيب والشهادة { فتعالى } وهذا كما تقول زيد شجاع فعظمت منزلته ويحتمل أن يكون المعنى فأقول تعالى { عما يشركون } على إخبار مؤتنف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.