نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٖ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنۡ إِلَٰهٍۚ إِذٗا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهِۭ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (91)

ولما كان من أعظم كذبهم ما أشار إليه قوله تعالى{ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً }[ مريم : 88 ] قال : { ما اتخذ الله } أي الذي لا كفوء له ، وأعرق في النفي بقوله : { من ولد } لا من الملائكة ولا من غيرهم ، لما قام من الأدلة على غناه ، وأنه لا مجانس له ، ولما لزمهم بإقرارهم أنه يجير ولا يجار عليه ، وأن له السماوات والأرض ومن فيهما .

ولما كان الولد أخص من مطلق الشريك قال : { وما كان } أي بوجه من الوجوه { معه } فأفاد بفعل الكون نفي الصحة لينتفي الوجود بطريق الأولى { من إله } وزاد " من " لتأكيد النفي ؛ ولما لزمهم الكذب في دعوى الإلهية بولد أو غيره من إقرارهم هذا ، أقام عليه دليلاً عقلياً ليتطابق الإلزامي والعقلي فقال : { إذاً } أي إذ لو كان معه إله آخر { لذهب كل إله بما خلق } بالتصرف فيه وحده ليتميز ما له مما لغيره { ولعلا بعضهم } أي بعض الآلهة { على بعض } إذا تخالفت أوامرهم ، فلم يرض أحد منهم أن يضاف ما خلقه إلى غيره ، ولا أن يمضي فيه أمر على غير مراده ، كما هو مقتضى العادة ، فلا يكون المغلوب إلهاً لعجزه ، ولا يكون مجيراً غير مجار عليه ، بيده وحده ملكوت كل شيء ، وفي ذلك إشارة إلى أنه لو لم يكن ذلك الاختلاف لأمكن أن يكون ، فكان إمكانه كافياً في إبطال الشركة لما يلزم ذلك من إمكان العجز المنافي للإلهية ، كما بين في الأنبياء .

ولما طابق الدليل الإلزام على نفي الشريك ، نزه نفسه الشريفة بما هو نتيجة ذلك بقوله : { سبحان الله } أي المتصف بجميع صفات الكمال ، المنزه عن كل شائبة نقص { عما يصفون* } من كل ما لا يليق بجنابه المقدس من الشريك والولد وغيره ؛