اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٖ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنۡ إِلَٰهٍۚ إِذٗا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهِۭ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (91)

قوله تعالى : { مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ } الآية . وهذه الآية كالتنبيه على الردّ على الكفار الذين يقولون : الملائكة بنات الله . وقوله : { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ } ردّ على اتخاذهم الأصنام آلهة ، ويحتمل أن يريد به إبطال قول النصارى والثنوية{[33273]} .

ثم إنه تعالى ذكر الدليل بقوله : { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ } أي : لانفرد كل واحد من الآلهة بما خلقه ، ولم يرض أن يضاف خلقه إلى غيره ، ومنع الإله الآخر عن الاستيلاء على ما خلق { وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ } أي : طلب بعضهم مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم ، وحين لم تروا ذلك فاعلموا أنه إله واحد{[33274]} .

قوله : «إذاً » جواب وجزاء ، قال الزمخشري : فإن قلت : «إذاً » لا تدخل إلاَّ على كلام هو جواب وجزاء ، فكيف وقع قوله : «لَذَهَبَ » جواباً وجزاءً ولم يتقدّم شرط ولا سؤال سائل قُلْتُ : الشرط محذوف تقديره : لَوَ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ ، حذف لدلالة { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ }{[33275]} .

وهذا رأي الفراء{[33276]} ، وقد تقدّم في الإسراء في قوله : { وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً }{[33277]} [ الإسراء : 73 ] ثم إنه تعالى نَزّه نفسه فقال : { سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ } من إثبات الولد والشريك {[33278]} .

قرئ : «تَصِفُونَ » بتاء الخطاب{[33279]} وهو التفات .


[33273]:انظر الفخر الرازي 23/118، الثنوية: هم أصحاب الاثنين الأزليين: يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس، فإنهم قالوا بحدوث الظلام، وذكروا سبب حدوثه، وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم واختلافهما في الجوهر، والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح. الملل والنحل 1/244.
[33274]:انظر الفخر الرازي 33/118.
[33275]:الكشاف 3/54 – 55.
[33276]:انظر معاني القرآن 2/241.
[33277]:[الإسراء: 73].
[33278]:انظر الفخر الرازي 23/18.
[33279]:المختصر (98)، البحر المحيط 6/419.