{ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ } أي عاونوهم { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أي : اليهود { مِنْ صَيَاصِيهِمْ } أي : أنزلهم من حصونهم ، نزولاً مظفورًا بهم ، مجعولين تحت حكم الإسلام .
{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } فلم يقووا على القتال ، بل استسلموا وخضعوا وذلوا . { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ } وهم الرجال المقاتلون { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } مَنْ عداهم من النساء والصبيان .
ثم ختم - سبحانه - الحديث عن غزوة الأحزاب ، ببيان ما حل ببنى قريظة من عذاب مهين ، بسبب نقضهم لعهودهم فقال : { وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكتاب مِن صَيَاصِيهِمْ } .
والصياصى : جمع صيصحة وهى كل ما يتحصن به من الحصون وغيرها . ومنه قيل لقرن الثور صيصة لأنه يدفع به عن نفسه .
أى : وبعد أن رحلت جيوش الأحزاب عنكم أيها المؤمنون - أنزل الله - تعالى - بقدرته الذين ظاهروهم وناصروهم عليكم ، وهم يهود بنى قريظة ، أنزلهم من حصونهم ، ومكنكم من رقابهم .
{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب } الشديد منكم ، بحيث صاروا مستسلمين لكم ، ونازلين على حكمكم .
{ فَرِيقاً } منهم { تَقْتُلُونَ } وهم الرجال . وتأسرون فريقا آخروهم الذرية والنساء .
{ وَأَنزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ }أي : عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } يعني : بني قريظة من اليهود ، من بعض أسباط بني إسرائيل ، كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديما ، طَمَعًا في اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِه } [ البقرة : 89 ] ، فعليهم لعنة الله .
وقوله : { مِنْ صَيَاصِيهِم } يعني : حصونهم . كذا قال مجاهد ، وعِكْرِمة ، وعطاء ، وقتادة ، والسُّدِّي ، وغيرهم{[23321]} ومنه سميت صياصي البقر ، وهي قرونها ؛ لأنها أعلى شيء فيها .
{ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } : وهو الخوف ؛ لأنهم كانوا مالؤوا المشركين على حرب رسول الله{[23322]} صلى الله عليه وسلم ، وليس مَنْ يعلم كمن لا يعلم ، فأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليَعزّوا{[23323]} في الدنيا ، فانعكس عليهم الحال ، وانقلب الفال{[23324]} ، انشمر{[23325]} المشركون ففازوا بصفقة المغبون ، فكما راموا العز ذلوا{[23326]} ، وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا ، وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة ، فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة ؛ ولهذا قال تعالى : { فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا }{[23327]} ، فالذين قتلوا هم المقاتلة ، والأسراء هم الأصاغر والنساء .
قال{[23328]} الإمام أحمد : حدثنا هُشَيْم بن بشير ، أخبرنا عبد الملك بن عمير ، عن عطية القرظي قال : عُرضتُ على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا فيَّ ، فأمر بي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظروا : هل أنبت بعد ؟ فنظروا فلم يجدوني أنبت ، فخلى عني وألحقني بالسبي .
وكذا رواه أهل السنن كلهم من طرق ، عن عبد الملك بن عمير ، به{[23329]} . وقال الترمذي : " حسن صحيح " . ورواه النسائي أيضا ، من حديث ابن جُرَيْج ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن عطية ، بنحوه{[23330]} .
{ وأنزل الذين ظاهروهم } ظاهروا الأحزاب . { من أهل الكتاب } يعني قريظة . { من صياصيهم } من حصونهم جمع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبي وشوكة الديك . { وقذف في قلوبهم الرعب } الخوف وقرئ بالضم . { فريقا تقتلون وتأسرون فريقا } وقرئ بضم السين روي : أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب فقال : أتنزع لامتك والملائكة لم يضعوا السلاح أن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة ، فحاصرهم إحدى وعشرين أو خمسا وعشرين حتى جهدهم الحصار فقال لهم : تنزلون على حكمي فأبوا فقال : على حكم سعد بن معاذ فرضوا به ، فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم ، فكبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال : لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ، فقتل منهم ستمائة أو أكثر وأسر منهم سبعمائة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.