تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

والنجوى التي أسروها فسرها بقوله : { قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } كمقالة فرعون السابقة ، فإما أن يكون ذلك توافقا من فرعون والسحرة على هذه المقالة من غير قصد ، وإما أن يكون تلقينا منه لهم مقالته ، التي صمم عليها وأظهرها للناس ، وزادوا على قول فرعون أن قالوا : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } أي : طريقة السحر حسدكم عليها ، وأراد أن يظهر عليكم ، ليكون له الفخر والصيت والشهرة ، ويكون هو المقصود بهذا العلم ، الذي أشغلتم زمانكم فيه ، ويذهب عنكم ما كنتم تأكلون بسببه ، وما يتبع ذلك من الرياسة ، وهذا حض من بعضهم على بعض على الاجتهاد في مغالبته ، ولهذا قالوا : { فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

{ قالوا إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائتوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى } .

فهاتان الآيتان تشيران إلى خوف السحرة من موسى وهارون ، وإلى أنهم بذلوا أقصى جهدهم فى تجميع صفوفهم ، وفى تشجيع بعضهم لبعض ، حتى لا يستلب موسى - عليه السلام - منهم جاههم وسلطانهم ومنافعهم . .

أى : قال السحرة بعضهم لبعض بطريق التناجى والإسرار ، ما استقر عليه رأيهم ، من أن موسى وهارون ساحران { يُرِيدَانِ } عن طريق سحرهما أن يخرجا السحرة من أرضهم مصر : ليستوليا عما وأتباعهما عليهماز

ويريدان كذلك أن يذهبا بطريقتكم المثلى . أى بمذهبكم ودينكم الذى هو أمثل المذاهب وأفضلها ، وبملككم الذى أنتم فيه ، وبعيشكم الذى تنعمون به .

فالمثلى : مؤنث أمثل بمعنى أشرف وأفضل . وإنما أنث باعتبار التعبير بالطريقة . هذا ، وهناك قراءات فى قوله تعالى : { إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ } ذكرها الإمام القرطبى .

فقال ما ملخصه : قوله - تعالى - : { إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ } قرأ أبو عمرو : { إِنْ هاذين لَسَاحِرَانِ } ورويت - هذه القراءة - عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة . . .

وقرأ الزهرى والخليل بن أحمد وعاصم فى رواية حفص عنه { إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ } بتخفيف { إِنْ } . . . وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراف ، ويكون معناها : ما هذان إلا ساحران .

وقرأ المدنيون والكوفيون : { إِنَّ هذان } بتشديد إن { لَسَاحِرَانِ } فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب .

فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة من الأئمة .

والعلماء فى قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال : الأول أنها لغة بنى الحارث بن كعب وزبيد وخثعم . . . ، يجعلون رفع المثنى ونصبه وخفضه بالألف . . . وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

{ قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } هذه لغة لبعض العرب ، جاءت هذه القراءة على إعرابها ، ومنهم من قرأ : " إنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ " وهذه اللغة المشهورة ، وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه .

والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم : تعلمون{[19411]} أن هذا الرجل وأخاه - يعنون : موسى وهارون - ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر ، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس ، وتتبعهما العامة ويقاتلا فرعون وجنوده ، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم .

وقوله : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } أي : ويستبدا بهذه الطريقة ، وهي السحر ، فإنهم كانوا معظَّمين بسببها ، لهم أموال وأرزاق عليها ، يقولون :{[19412]} إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض ، وتفردا بذلك ، وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم .

وقد تقدم في حديث الفتون عن{[19413]} ابن عباس [ قال ]{[19414]} في قوله : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } يعني : ملكهم الذي هم فيه والعيش .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا هُشَيْم ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } قال : يصرفا{[19415]} وجوه الناس إليهما .

وقال مجاهد : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } قال : أولي الشرف والعقل والأسنان .

وقال أبو صالح : { بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } أشرافكم وسرواتكم . وقال عكرمة : بخيركم . وقال قتادة : وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل ، كانوا أكثر القوم عددا وأموالا فقال عدو الله : يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما .

وقال عبد الرحمن بن زيد : { بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى } بالذي أنتم عليه .


[19411]:في ف أ: "يعلمون".
[19412]:في ف: "يقولان".
[19413]:في ف، أ: "أن".
[19414]:زيادة من ف، أ.
[19415]:في ف، أ: "يصرفان".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

ثم اختلف أهل العلم السرار الذي أسروه ، فقال بعضهم : هو قول بعضهم لبعض : إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه ، وإن كان من أمر السماء فإنه سيغلبنا . وقال آخرون في ذلك ما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : أشار بعضهم إلى بعض بتناج : " إنْ هَذَانِ لسَاحِرَانِ يُرِيدَانه أنْ يخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما " .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " فَتَنازَعُوا أمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وأسَرّوا النّجْوَى " من دون موسى وهارون ، قالوا في نجواهم : " إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهُما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمْ المُثْلَى " قالوا : إن هذان لساحران ، يَعْنُون بقولهم : إن هذان موسى وهارون ، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ، كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدَانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما " موسى وهارون صلى الله عليهما .

وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله : " إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ " فقرأته عامة قرّاء الأمصار : «إنّ هَذَانِ » بتشديد إن وبالألف في هذان ، وقالوا : قرأنا ذلك كذلك . وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : «إن » خفيفة في معنى ثقيلة ، وهي لغة لقوم يرفعون بها ، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما . وقال بعض نحوييّ الكوفة : ذلك على وجهين : أحدهما على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم ، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف . وقد أنشدني رجل من الأَسْد عن بعض بني الحارث بن كعب :

فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشّجاعِ وَلَوْ رَأىَ *** مَساغا لِناباهُ الشّجاعُ لَصمّما

قال : وحكى عنه أيضا : هذا خط يدا أخي أعرفه ، قال : وذلك وإن كان قليلاً أقيس ، لأن العرب قالوا : مسلمون ، فجعلوا الواو تابعة للضمة ، لأنها لا تعرب ، ثم قالوا : رأيت المسلمين ، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم قالوا : فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها ، وثبت مفتوحا ، تركوا الألف تتبعه ، فقالوا : رجلان في كلّ حال . قال : وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلام الرجلين ، في الرفع والنصب والخفض ، وهما اثنان ، إلا بني كنانة ، فإنهم يقولون : رأيت كِلَىِ الرجلين ، ومررت بكلي الرجلين ، وهي قبيحة قليلة مَضَوا على القياس . قال : والوجه الاَخر أن تقول : وجدت الألف من هذا دعامة ، وليست بلام «فَعلَى » فلما بنيت زدت عليها نونا ، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكلّ حال ، كما قالت العرب الذي ، ثم زادوا نونا تدلّ على الجمع ، فقالوا : الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم ، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه . قال : وكان القياس أن يقولوا : الّذُون . وقال آخر منهم : ذلك من الجزم المرسل ، ولو نصب لخرج إلى الانبساط .

وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى ، قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس ، إن هذين لساحران في اللفظ ، وكتب «هذان » كما يريدون الكتاب ، واللفظ صواب . قال : وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوما من بني كنانة وغيرهم ، يرفعون الاثنين في موضع الجرّ والنصب . قال : وقال بشر بن هلال : إن بمعنى الابتداء والإيجاب . ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها ، فترفع الخبر ولا تنصبه ، كما نصبت الاسم ، فكان مجاز «إن هذان لساحران » ، مجاز كلامين ، مَخْرجه : إنه : إي نَعَم ، ثم قلت : هذان ساحران . ألا ترى أنهم يرفعون المشترك كقول ضابىء :

فَمَنْ يَكُ أمْسَى بالمَدِينَةِ رَحْلُهُ *** فإنّي وَقَيّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

وقوله :

إنّ السّيُوفَ غُدُوّها وَرَواحَها *** تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ

قال : ويقول بعضهم : إن الله وملائكتُهُ يصلون على النبيّ ، فيرفعون على شركة الابتداء ، ولا يعملون فيه إنّ . قال : وقد سمعت الفصحاء من المُحْرِمين يقولون : إن الحمدَ والنعمةُ لك والملكُ ، لا شريك لك . قال : وقرأها قوم على تخفيف نون إن وإسكانها . قال : ويجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فصل ، قال :

*** أُمّ الحُلَيْسِ لعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ***

قال : وزعم قوم أنه لا يجوز ، لأنه إذا خفف نوّن «إن » فلا بدّ له من أن يدخل «إلا » فيقول : إن هذا إلا ساحران .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : إنّ بتشديد نونها ، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف . ووجهه إذا قرىء كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون ، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة ، فكذلك إنّ هَذَانِ زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة ، وهي لغة بني الحرث بن كعب ، وخثعم ، وزبيد ، ومن وليهم من قبائل اليمن .

وقوله : " وَيَذْهَبا بطَرِيقَتِكُمْ المُثْلَى " يقول : ويغلبا على ساداتكم وأشرافكم ، يقال : هو طريقة قومه ونظورة قومه ، ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والمنظور إليه ، يقال ذلك للواحد والجمع ، وربما جمعوا ، فقالوا : هؤلاء طرائق قومهم ومنه قول الله تبارك وتعالى : " كُنّا طَرَائقَ قِدَادا " ، وهؤلاء نظائر قومهم . وأما قوله : " المُثْلَى " فإنها تأنيث الأمثل ، يقال للمؤنث ، خذ المثلى منهما . وفي المذكر : خذ الأمثل منهما ، ووحدت المثلى ، وهي صفة ونعت للجماعة ، كما قيل : " لهُ الأسْماءُ الحُسْنَى " ، وقد يحتمل أن يكون المُثلى أنثت لتأنيث الطريقة .

وبنحو ما قلنا في معنى قوله : " بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثلَى " يقول : أمثلكم وهم بنو إسرائيل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال : أولي العقل والشرف والأنساب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال : أولي العقول والأشراف والأنساب .

حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " وطريقتهم المُثلى يومئذٍ كانت بنو إسرائيل ، وكانوا أكثر القوم عددا وأموالاً وأولادا . قال عدوّ الله : إنما يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهما .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله " بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال : ببني إسرائيل .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ " وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " يقول : يذهبا بأشراف قومكم .

وقال آخرون : معنى ذلك : ويغيرا سنتكم ودينكم الذي أنتم عليه ، من قولهم : فلان حسن الطريقة . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " قال : يذهبا بالذي أنتم عليه ، يغير ما أنتم عليه . وقرأ : " ذَرُونِي أقْتُلْ مُوسَى وَليْدْعُ رَبّهُ إنّي أخافُ أنْ يُبَدّلَ دِينَكُمْ أوْ أنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الفَسادَ " قال : هذا قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " وقال : يقول طريقتكم اليوم طريقة حسنة ، فإذا غيرت ذهبت هذه الطريقة . ورُوي عن علي في معنى قوله : " وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " ما :

حدثنا به القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : يصرفان وجوه الناس إليهما .

قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله ابن زيد في قوله : " ويَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى " وإن كان قولاً له وجه يحتمله الكلام ، فإن تأويل أهل التأويل خلافه ، فلا أستجيز لذلك القول به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

وقوله : { قالوا إن هذان لساحران } تفسير ل { أسروا النجوى } كأنهم تشاوروا في تلفيقه حذرا أن يغلبا فيتبعهما الناس ، و{ هذان } اسم إن على لغة بلحرث بن كعب فإنهم جعلوا الألف للتثنية وأعربوا المثنى تقديرا . وقيل اسمها ضمير الشأن المحذوف و { هذان لساحران } خبرها . وقيل { إن } بمعنى نعم وما بعدها مبتدأ وخبر وفيهما إن اللام لا تدخل خبر المبتدأ . وقيل أصله إنه هذان لهما ساحران فحذف الضمير وفيه أن المؤكد بلام لا يليق به الحذف ، وقرأ أبو عمرو إن " هذين " وهو ظاهر ، وابن كثير وحفص { إن هذان } على أنها هي المخففة و اللام هي الفارقة أو النافية واللام بمعنى إلا . { يريدان أن يخرجاكم من أرضكم } بالاستيلاء عليها . { بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى } بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما لقوله { إني أخاف أن يبدل دينكم } وقيل أرادوا أهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل فإنهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى { أرسل معنا بني إسرائيل } وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم من حيث إنهم قدوة لغيرهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ} (63)

جملة { قَالُوا إنْ هذان لساحران } بدل اشتمال من جملة { وأسَرُّوا النجوى } ، لأن إسرار النجوى يشتمل على أقوال كثيرة ذُكر منها هذا القول ، لأنّه القول الفصل بينهم والرأي الذي أرسوا عليه ، فهو زبدة مخيض النجوى . وذلك شأن التشاور وتنازع الآراء أن يسفر عن رأي يصدر الجميع عنه .

وإسناد القول إلى ضمير جمعهم على معنى : قال بعضهم : هذان لساحران ، فقال جميعهم : نعم هذان لسَاحران ، فأسند هذا القول إلى جميعهم ، أي مقالة تداولوا الخوض في شأنها فأرسوا عليها . وقال بعضهم لبعض : نعم هو كذلك ، ونطقوا بالكلام الذي استقرّ عليه رأيهم ، وهو تحققهم أنّ موسى وأخاه ساحران .

واعلم أنّ جميع القراء المعتبرين قرأوا بإثبات الألف في اسم الإشارة من قوله « هاذان » ما عدا أبا عمرو من العشرة وما عدا الحسن البصري من الأربعة عشر . وذلك يوجب اليقين بأن إثبات الألف في لفظ ( هذانِ ) أكثر تواتراً بقطع النظر عن كيفيّة النطق بكلمة ( إنّ ) مشدّدة أو مخفّفة ، وأن أكثر مشهور القراءات المتواترة قرأوا بتشديد نون ( إنّ ) ما عدا ابنَ كثير وحفصاً عن عاصم فهما قرءَا ( إنْ ) بسكون النون على أنها مخففة من الثقيلة .

وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقرّاء أصحابه ، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف ، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين ، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي .

فأما قراءة الجمهور { إنّ هذان لساحران } بتشديد نون ( إنّ ) وبالألف في هذان وكذلك في لساحران ، فللمفسرين في توجيهها آراء بلغت الستّة . وأظهرها أن تكون ( إنّ ) حرف جواب مثل : نعم وأجَل ، وهو استعمال من استعمالات ( إنّ ) ، أي اتبعوا لما استقر عليه أمرهم بعد النّجوى كقول عبد الله بن قيس الرقيّات :

ويقلْن شيب قد عَلا *** كَ وقد كبِرت فقلت إنّه

أي أجل أو نعم ، والهاء في البيت هاءُ السّكْتتِ ، وقول عبد الله بن الزُبير لأعرابي استجداه فلم يعطه ، فقال الأعرابي : لعَن الله ناقة حملتني إليك . قال ابن الزّبير : إنّ وراكِبَها . وهذا التوجيه من مبتكرات أبي إسحاق الزجاج ذكره في « تفسيره » . وقال : عرضته على عالمينا وشيْخينا وأستاذيْنا محمد بن يزيد ( يعني المبرد ) ، وإسماعيل بن إسحاق بن حمّاد ( يعني القاضي الشهير ) فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعاه في هذا .

وقلت : لقد صدقا وحقّقا ، وما أورده ابن جنّي عليه من الرد فيه نظر .

وفي « التفسير الوجيز » للواحدي سأل إسماعيل القاضي ( هو ابن إسحاق بن حمّاد ) ابنَ كيسان عن هذه المسألة ، فقال ابنُ كيسان : لما لم يظهر في المبهم إعرابٌ في الواحد ولا في الجمع ( أي في قولهم هذا وهؤلاء إذ هما مبنيان ) جرت التثنية مجرى الواحد إذ التثنية يجب أن لا تغيّر . فقال له إسماعيل : ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول فيه حتى يُؤْنس به فقال له ابنُ كيسان : فليقل به القاضي حتى يؤنس به ، فتبسم .

وعلى هذا التوجيه يكون قوله تعالى : { إنّ هَذانِ لسَاحِرانِ } حكايةً لمقال فريق من المتنازعين ، وهو الفريق الذي قبِل هذا الرأي لأنّ حرف الجواب يقتضي كلاماً سبقه .

ودخلت اللاّم على الخبر : إما على تقدير كون الخبر جملة حذف مبتدأها وهو مدخول اللام في التقدير ، ووجودُ اللاّم ينبىء بأن الجملة التي وقعت خبراً عن اسم الإشارة جملة قسميّة ؛ وإما على رأي من يجيز دخول اللام على خبر المبتدأ في غير الضرورة .

ووجهت هذه القراءة أيضاً بجعل ( إنّ ) حرف توكيد وإعراببِ اسمها المثنّى جَرى على لغة كنانة وبِلْحارث بن كعب الذين يجعلون علامة إعراب المثنى الألفَ في أحوال الإعراب كلها ، وهي لغة مشهورة في الأدب العربي ولها شواهد كثيرة منها قول المتلمّس :

فأطرقَ إطراقَ الشُجاع ولو درى *** مساغاً لِنَأبَاهُ الشجاعُ لصمّما

وقرأه حفص بكسر الهمزة وتخفيف نون ( إنْ ) مسكنة على أنها مخففة ( إنّ ) المشددة . ووجه ذلك أن يكون اسم ( إنْ ) المخففة ضمير شأن محذوفاً على المشهور . وتكون اللاّم في { لساحران } اللاّم الفارقة بين ( إنْ ) المخففة وبين ( إن ) النافية .

وقرأ ابن كثير بسكون نون ( إنْ ) على أنها مخففة من الثقيلة وبإثبات الألف في « هذان » وبتشديد نون ( هاذانّ ) .

وأما قراءة أبي عمرو وحده { إنَّ هذَيْن بتشديد نون ( إنّ ) وبالياء بعد ذال هذين . فقال القرطبي : هي مخالفة للمصحف . وأقل : ذلك لا يطعن فيها لأنّها رواية صحيحة ووافقت وجهاً مقبولاً في العربيّة .

ونزول القرآن بهذه الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود . فلا التفات إلى ما روي من ادعاء أن كتابة إن هاذان خطأ من كاتب المصحف ، وروايتِهم ذلك عن أبانَ بن عثمان بن عفّان عن أبيه ، وعن عروة بن الزبير عن عائشة ، وليس في ذلك سند صحيح .

حسبوا أنّ المسلمين أخذوا قراءة القرآن من المصاحف وهذا تغفّل ، فإن المصحف ما كتب إلاّ بعد أن قرأ المسلمون القرآن نيّفاً وعشرين سنة في أقطار الإسلام ، وما كتبت المصاحف إلاّ من حفظ الحفّاظ ، وما أخذ المسلمون القرآن إلاّ من أفواه حُفّاظه قبل أن تكتب المصاحف ، وبعد ذلك إلى اليوم فلو كان في بعضها خطأ في الخطّ لما تبعه القراء ، ولكان بمنزلة ما تُرك من الألفات في كلمات كثيرة وبمنزلة كتابة ألف الصلاة ، والزكاة ، والحياة ، والرّبا بالواو في موضع الألف وما قرأوها إلاّ بألِفاتها .

وتأكيد السحرة كونَ موسى وهارون ساحرين بحرف ( إنّ ) لتحقيق ذلك عند من يخامره الشكّ في صحّة دعوتهما .

وجعل ما أظهره موسى من المعجزة بين يدي فرعون سحراً لأنّهم يطلقون السحر عندهم على خوارق العادات ، كما قالت المرأة الّتي شاهدت نبع الماء من بين أصابع النبي لقومها : جئتكم من عندِ أسْحر النّاس ، وهو في كتاب المغازي من « صحيح البخاري » .

والقائلون : قد يكون بعضهم ممن شاهد ما أتى به موسى في مجلس فرعون ، أو ممن بلغهم ذلك بالتسامع والاستفاضة .

والخطاب في قوله { أن يُخْرِجَاكُم } لملئهم . ووجه اتهامهما بذلك هو ما تقدم عند قوله تعالى : { قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى } [ طه : 57 ] . ونزيد هنا أن يكون هذا من النجوى بين السحرة ، أي يريدانِ الاستئثار بصناعة السحر في أرضكم فتخرجوا من الأرض بإهمال الناس لكم وإقبالهم على سحر موسى وهارون .

والطريقة : السُّنّة والعادة ؛ شبهت بالطريق الذي يسير فيه السائر ، بجامع الملازمة .

والمثلى : مؤنّث الأمثل . وهو اسم تفضيل مشتقّ من المَثَالة ، وهي حسن الحالة يقال : فلان أمثل قومِه ، أي أقربهم إلى الخير وأحسنهم حالاً .

وأرادوا من هذا إثارة حمية بعضهم غيرة على عوائدهم ، فإن لكلّ أمّة غيرة على عوائدها وشرائعها وأخلاقها . ولذا فرّعوا على ذلك أمرهم بأن يجمعوا حيلهم وكل ما في وسعهم أن يغلبوا به موسى .

والباء في { بطريقتكم } لتعدية فعل { يذهبا } . والمعنى : يُذهبانها ، وهو أبلغ في تعلّق الفعل بالمفعول من نصب المفعول . وتقدّم عند قوله تعالى : { ذهب الله بنورهم } في سورة البقرة ( 17 ) .