{ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ْ } أي : ما غاب فيهما من الخفايا ، والأمور الغيبية .
{ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ْ } من الأعمال والعمال ، فيميز الخبيث من الطيب { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ْ } أي : قم بعبادته ، وهي جميع ما أمر الله به مما تقدر عليه ، وتوكل على الله في ذلك .
{ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ْ } من الخير والشر ، بل قد أحاط علمه بذلك ، وجرى به قلمه ، وسيجري عليه حكمه ، وجزاؤه .
تم تفسير سورة هود ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وسلم .
[ وكان الفراغ من نسخه في يوم السبت في 21 من شهر ربيع الآخر 1347 ]{[439]}
المجلد الرابع من تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام الرب المنان لجامعه الفقير إلى الله : عبد الرحمن بن ناصر السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية الجامعة فقال : { وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .
أى : ولله - تعالى - وحده علم جميع ما غاب عن الحواس فى السموات والأرض ، وإليه وحده يرجع الأمر كله من إحياء وإماتة ، وهداية وضلال ، وصحة ومرض ، ونصر وهزيمة .
وما دام الأمر كذلك { فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } أى : فأخلص له العبادة ، واجعل توكلك عليه وحده .
{ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بل هو مطلع وبصير بأعمال عباده جميعا ، لا يعزب عنه مثقال ذرة منها ، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .
يخبر تعالى أنه عالم غيب السموات والأرض ، وأنه إليه المرجع والمآب ، وَسيُوَفِّى كل عامل عمله يوم الحساب ، فله الخلق والأمر . فأمر تعالى بعبادته والتوكل عليه ؛ فإنه كاف من توكل عليه وأناب إليه .
وقوله : { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } {[15007]} أي : ليس يخفى عليه ما عليه مكذبوك يا محمد ، بل هو عليم بأحوالهم وأقوالهم وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء في الدنيا والآخرة ، وسينصرك وحزبك عليهم في الدارين . وقال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا زيد بن الحباب ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجَوْني ، عن عبد الله بن رباح ، عن كعب{[15008]} قال : خاتمة " التوراة " خاتمة " هود " [ والله أعلم ]{[15009]} تم تفسير سورة هود .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَللّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { ولله } ، يا محمد ، ملك كلّ ما غاب عنك في السماوات والأرض ، فلم تطلع عيه ولم تعلمه ، كلّ ذلك بيده وبعلمه ، لا يخفى عليه منه شيء ، وهو عالم بما يعمله مشركو قومك ، وما إليه مصير أمرهم من إقامة على الشرك ، أو إقلاع عنه وتوبة . { وإلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْر كُلّه } ، ُ يقول : وإلى الله معاد كلّ عامل وعمله ، وهو مجاز جميعهم بأعمالهم . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَإلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ } ، قال : فيقضي بينهم بحكمه بالعدل . يقول : { فاعْبُدْهُ } ، يقول : فاعبد ربك ، يا محمد ، { وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ } ، يقول : وفوّض أمرك إليه ، وثق به وبكفايته ، فإنه كافى من توكل عليه .
وقوله : { وَمَا رَبّكَ بغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } ، يقول تعالى ذكره : وما ربك ، يا محمد ، بساه عما يعمل هؤلاء المشركون من قومك ، بل هو محيط به لا يعزب عنه شيء منه ، وهو لهم بالمرصاد ، فلا يحزنك إعراضهم عنك ولاتكذيبهم بما جئتهم به من الحقّ ، وامض لأمر ربك فإنك بأعيننا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن رباح ، عن كعب ، قال : خاتمة التوراة ، خاتمة هود .
{ ولله غيب السماوات والأرض } خاصة لا يخفى عليه خافية مما فيهما . { وإليه يُرجع الأمر كله } فيرجع لا محالة أمرهم وأمرك إليه . وقرأ نافع وحفص و " يرجع " على البناء للمفعول . { فاعبده وتوكل عليه } فإنه كافيك . وفي تقديم الأمر بالعبادة على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع العابد . { وما ربك بغافل عما تعملون } أنت وهم فيجازي كلا ما يستحقه . وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء هنا وفي آخر " النمل " .
وقوله تعالى : { ولله غيب السماوات والأرض } الآية ، هذه آية تعظم وانفراد بما لا حظ لمخلوق فيه ، وهو علم الغيب ، وتبين أن الخير والشر ، وجليل الأشياء وحقيرها - مصروف إلى أحكام مالكه{[6548]} ، ثم أمر البشر بالعبادة والتوكل على الله تعالى ، وفيها زوال همه وصلاحه ووصوله إلى رضوان الله .
وقرأ السبعة - غير نافع - «يرجعُ الأمرُ » على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ نافع وحفص عن عاصم : «يُرجع الأمرُ » على بنائه للمفعول ورواها ابن أبي الزناد عن أهل المدينة ، وقرأ «تعملون » بالتاء من فوق ، نافع وابن عامر وحفص عن عاصم ، وهي قراءة الأعرج والحسن وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمرو وقتادة والجحدري ، واختلف عن الحسن وعيسى ، وقرأ الباقون «يعملون » بالياء على كناية الغائب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.