تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

{ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ } بن يعقوب عليهما السلام { مِنْ قَبْلُ } إتيان موسى بالبينات الدالة على صدقه ، وأمركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له ، { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ } في حياته { حَتَّى إِذَا هَلَكَ } ازداد شككم وشرككم ، و { قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } أي : هذا ظنكم الباطل ، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى ، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى ، لا يأمرهم وينهاهم ، ويرسل إليهم رسله ، وظن أن الله لا يرسل رسولا ظن ضلال ، ولهذا قال : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } وهذا هو وصفهم الحقيقي الذي وصفوا به موسى ظلمًا وعلوا ، فهم المسرفون بتجاوزهم الحق وعدولهم عنه إلى الضلال ، وهم الكذبة ، حيث نسبوا ذلك إلى الله ، وكذبوا رسوله .

فالذي وصفه السرف والكذب ، لا ينفك عنهما ، لا يهديه الله ، ولا يوفقه للخير ، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه ، فجزاؤه أن يعاقبه الله ، بأن يمنعه الهدى ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

ثم ذكرهم بعد ذلك بما كان من أسلافهم مع أحد أنبيائهم فقال : { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } .

والذى عليه المحققون أن المراد بيوسف هنا : يوسف بن يعقوب - عليهما السلام - والمراد بمجيئه إليهم : مجيئه إلى آبائهم ، إذ بين يوسف وموسى - عليهما السلام - أكثر من أربعة قرون ، فالتعبير فى الآية الكريمة من باب نسبة أحوال الآباء إلى الأبناء لسيرهم على منوالهم وعلى طريقتهم فى الإِعراض عن الحق .

أى : ولقد جاء يوسف - عليه السلام - إلى آبائكم من قبل مجئ موسى إليكم ، وكان مجيئه إلى آبائكم مصحوبا بالمعجزات والبينات ، والآيات الواضحات الدالة على صدقه .

{ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ } أى : فما زال آباؤكم فى شك مما جاءهم به من البينات والهدى ، كشأنكم أنتم مع نبيكم موسى - عليه السلام - .

{ حتى إِذَا هَلَكَ } أى : مات يوسف - عليه السلام - .

{ قُلْتُمْ } أى : قال آباؤكم الذين أنتم من نسلهم { لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } فهم قد كذبوا رسالته فى حياته ، وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته ، لأنهم نفوا أن يكون هناك رسول من بعده .

فأنت ترى أن الرجل المؤمن يحذر قومه من أن يسلكوا مسلك آبائهم ، فى تكذيب رسل الله ، وفى الإِعراض عن دعوتهم .

قال ابن كثير : قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات } يعنى : أهل مصر ، قد بعث الله فيهم رسولا من قبل موسى ، وهو يوسف - عليه السلام - ، كان عزيز أهل مصر ، وكان رسولا يدعو إلى الله أمته القبط ، فما أطاعوه تلك الساعة إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوى .

ولهذا قال : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } أى : يئستم فقلتم طامعين : { لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } وذلك لكفرهم وتكذيبهم .

وقوله : { كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } أى : مثل ذلك الإِضلال الفظيع ، يضل الله - تعالى - من هو مسرف فى ارتكاب الفسوق والعصيان ، ومن هو مرتاب فى دينه ، شاك فى صدق رسوله ، لاستيلاء الشيطان والهوى على قلبه .

ثم بين لهم أن غضب الله - تعالى - شديد ، على الذين يجادلون فى آياته الدالة على وحدانيته وعلى كمال قدرته ، وعلى صدق أنبيائه ، بغير حجة أو دليل فقال { الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله وَعِندَ الذين آمَنُواْ . . . } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

وقوله : { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ } يعني : أهل مصر ، قد بعث الله فيهم رسولا من قبل موسى ، وهو يوسف ، عليه السلام ، كان عزيز أهل مصر ، وكان رسولا يدعو إلى الله أمته {[25507]} القبط ، فما أطاعوه تلك الساعة {[25508]} إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ؛ ولهذا قال : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا } أي : يئستم فقلتم طامعين : { لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا } وذلك لكفرهم وتكذيبهم { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } أي : كحالكم هذا .


[25507]:- (5) في أ: "أمة".
[25508]:- (6) في ت، س، أ: "تلك الطاعة".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكّ مّمّا جَآءَكُمْ بِهِ حَتّىَ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مّرْتَابٌ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد جاءكم يوسف بن يعقوب يا قوم من قبل موسى بالواضحات من حجج الله ، كما :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ قال : قبل موسى .

وقوله : فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكّ مِمّا جاءَكُمْ بِهِ يقول : فلم تزالوا مرتابين فيما أتاكم به يوسف من عند ربكم غير موقني القلوب بحقيقته حتى إذَا هَلَكَ يقول : حتى إذا مات يوسف قلتم أيها القوم : لن يبعث الله من بعد يوسف إليكم رسولاً بالدعاء إلى الحقّ وكَذَلكَ يُضِلّ اللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرفٌ مُرْتابٌ يقول : هكذا يصدّ الله عن إصابة الحق وقصد السبيل من هو كافر به مرتاب ، شاك في حقيقة أخبار رسله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

{ ولقد جاءكم يوسف } يوسف بن يعقوب على أن فرعونه فرعون موسى ، أو على نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد أو سبطه يوسف بن إبراهيم بن يوسف . { من قبل } من قبل موسى . { بالبينات } بالمعجزات . { فما زلتم في شك مما جاءكم به } من الدين . { حتى إذا هلك } مات . { قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا } ضما إلى تكذيب رسالته تكذيب رسالة من بعده ، أو جزما بأن لا يبعث من بعده رسول مع الشك في رسالته ، وقرئ " ألن يبعث الله " على أن بعضهم يقرر بعضا بنفي البعث . { كذلك } مثل ذلك الضلال . { يضل الله } في العصيان . { من هو مسرف مرتاب } شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد .