تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } ثم جاء وهذا يدل على هيبة{[594]} جنوده منه وشدة ائتمارهم لأمره ، حتى إن هذا الهدهد الذي خلفه العذر الواضح لم يقدر على التخلف زمنا كثيرا ، { فَقَالَ } لسليمان : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أي : عندي العلم علم ما أحطت به على علمك الواسع وعلى درجتك فيه ، { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ } القبيلة المعروفة في اليمن { بِنَبَإٍ يَقِينٍ } أي : خبر متيقن .


[594]:- كذا في ب، وفي أ: هيبته.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما كان من الهدهد ، فقال : { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } أى فمكث الهدهد زماناً غير بعيد من تهديد سليمان له ، ثم أتاه فقال له : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أى : علمت أشياء أنت لم تعلمها . وابتدأ كلامه بهذه الجملة التى فيها ما فيها من المفاجآت لترغيبه فى الإصغاء إليه ، ولاستمالة قلبه لقبول عذره بعد ذلك .

قال صاحب الكشاف : " ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام ، على ما أوتى من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة ، والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ، ابتلاء له فى علمه ، وتنبيهاً على أن فى أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به ، لتتحاقر إليه نفسه ، ويتصاغر إليه علمه ، ويكون لطفاً له فى ترك الإعجاب الذى هو فتنة العلماء . . " .

وقوله : { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } تفسير وتوضيح لقوله قبل ذلك : أحطت بما لم تحط به ، وسبأ فى الأصل : اسم لسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ثم صار بعد ذلك اسما لحى من الناس سموا باسم أبيهم ، أو صار اسما للقبيلة ، أو لمدينة تعرف بمأرب باليمن .

بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال .

وقد قرأ بعضهم هذا اللفظ بالتنوين باعتباره اسم رجل ، وقرأه آخرون بغير تنوين لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث .

أى : قال الهدهد لسليمان بادئاً حديثه بما يشير إلى قبول عذره : علمت شيئاً أنت لم تعلمه ، وجئتك من جهة قبيلة سبأ بنبأ عظيم خطير ، أنا متيقن من صدقه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

يقول تعالى : { فَمَكَثَ } الهدهد { غَيْرَ بَعِيدٍ } أي : غاب زمانًا يسيرًا ، ثم جاء فقال لسليمان : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أي : اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك ، { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } أي : بخبر صدق حق يقين .

وسبأ : هم : حِمْير ، وهم ملوك اليمن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : فَمَكَثَ غيرَ بَعِيدٍ فمكث سليمان غير طويل من حين سأل عن الهدهد ، حتى جاء الهدهد .

واختلف القرّاء في قراءة قوله : فَمَكَثَ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم : «فَمَكُثَ » بضمّ الكاف ، وقرأه عاصم بفتحها ، وكلتا القراءتين عندنا صواب ، لأنهما لغتان مشهورتان ، وإن كان الضمّ فيها أعجب إليّ ، لأنها أشهر اللغتين وأفصحهما .

وقوله : فَقالَ أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ يقول : فقال الهدهد حين سأله سليمان عن تخلفه وغيبته : أحطب بعلم ما لم تحط به أنت يا سليمان . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أحَطْتُ بِمَا لَمْ تحِطْ بِهِ قال : ما لم تعلم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه فمَكَثَ غيرَ بَعيدٍ ثم جاء الهدهد ، فقال له سليمان : ما خلّفك عن نوبتك ؟ قال : أحطت بما لم تحط به .

وقوله : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإ بِنَبإ يَقِينٍ يقول : وجئتك من سبإ بخبر يقين . وهو ما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإٍ بِنَبإٍ يَقِينٍ : أي أدركت ملكا لم يبلغه ملكك .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : مِنْ سَبإٍ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة مِنْ سَبإٍ بالإجراء . المعني أنه رجل اسمه سبأ . وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والبصرة مِنْ سَبإٍ بترك الإجراء ، على أنه اسم قبيلة أو لامرأة .

والصواب من القول في ذلك أن يُقال : إنهما قراءتان مشهورتان ، وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فالإجراء في سبأ ، وغير الإجراء صواب ، لأن سبأ إن كان رجلاً كما جاء به الأثر ، فإنه إذا أريد به اسم الرجل أُجري ، وإن أريد به اسم القبيلة لم يُجْرَ ، كما قال الشاعر في إجرائه :

الْوَارِدُونَ وَتَيْمٌ في ذَرَا سَبإٍ *** قَدْ عَضّ أعْناقَهُمْ جِلدُ الجَوَاميسِ

يروى : ذرا ، وذرى ، وقد حُدثت عن الفرّاء عن الرؤاسي أنه سأل أبا عمرو بن العلاء كيف لم يجر سبأ ؟ قال : لست أدري ما هو فكأن أبا عمرو ترك إجراءه ، إذ لم يدرِ ما هو ، كما تفعل العرب بالأسماء المجهولة التي لا تعرفها من ترك الإجراء . حكي عن بعضهم : هذا أبو معرورَ قد جاء ، فترك إجراءه إذ لم يعرفه في أسمائهم . وإن كان سبأ جبلاً ، أجري لأنه يُراد به الجبل بعينه ، وإن لم يجر فلأنه يجعل اسما للجبل وما حوله من البقعة .