تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

ثم أمر الله رسوله ان لا يبالي بهم ولا بغيرهم وأن يصدع بما أمر الله ويعلن بذلك لكل أحد ولا يعوقنه عن أمره عائق ولا تصده أقوال المتهوكين ، { وأعرض عن المشركين } أي : لا تبال بهم واترك مشاتمتهم ومسابتهم مقبلا على شأنك ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يمضى في طريقه ، وأن يجهر بدعوته وأن يعرض عن المشركين ، فقد كفاه - سبحانه - شرهم فقال - تعالى - : { فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } .

وقوله { فاصدع . . } من الصدع بمعنى الإِظهار والإعلان . ومنه قولهم : انصدع الصبح ، إذا ظهر بعد ظلام الليل والصديع الفجر لانصداعه أى ظهوره . ويقال : صدع فلان بحجته ، إذا تكلم بها جهارًا .

أى : فاجهر - أيها الرسول الكريم - بدعوتك ، وبلغ ما أمرناك بتبليغه علانية ، وأعرض عن سفاهات المشركين وسوء أدبهم .

قال عبد الله بن مسعود : ما زال النبى صلى الله عليه وسلم مستخفيا بدعوته حتى نزلت هذه الآية . فخرج هو وأصحابه ،

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فاصدع بما تؤمر}، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر النبوة وكتمها سنتين، فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فاصدع بما تؤمر} يقول: امض لما تؤمر من تبليغ الرسالة، فلما بلغ عن ربه عز وجل استقبله كفار مكة بالأذى، والتكذيب في وجهه، فقال تعالى: {وأعرض عن المشركين} يعني عن أذى المشركين إياك فأمره الله عز وجل بالإعراض والصبر على الأذى.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ": فأمض وافرُق...

وقال تعالى ذكره: "فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ "ولم يقل: بما تؤمر به، والأمر يقتضي الباء لأن معنى الكلام: فاصدع بأمرنا، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين خَلقي وأذنّا لك في إظهاره...

"وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ "ويقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: بلغ قومك ما أرسلتَ به، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم. وذلك قبل أن يفرض عليه جهادهم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فاصدع بما تؤمر} كقوله: {فاستقم كما أمرت} (هود: 112) فهو في كل ما أمر به {واعرض عن المشركين} أي اعرض عن مكافأتهم، والله أعلم.

امض على ما تؤمر، من تبليغ الرسالة إليهم، ولا تخفهم ولا تهبهم، ولا يمنعك شيء عن تبليغ الرسالة: لا الخوف ولا القرابة ولا شيء من ذلك. ولكن امض على ما تؤمر...

وقال القتبي: {فاصدع بما تؤمر} أي أظهر. صدع: أظهر ذلك. وأصله: الفرق والفتح، يريد اصدع الباطل بحقك حتى يأتيك الموقن به، وهو الموت.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

روى موسى عن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال: مازال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتّى نزلت {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} فخرج هو وأصحابه...

{وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} لا تبال بهم {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(وأعرض عن المشركين) أي: عن جوابهم؛ لأن السفيه لا يسافه معه إلا سفيه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فاجهر به وأظهره. يقال: صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً، كقولك: صرح بها، من الصديع وهو الفجر، والصدع في الزجاجة: الإبانة. وقيل: {فاصدع} فافرق بين الحق والباطل بما تؤمر، والمعنى بما تؤمر به من الشرائع...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ}..، أي ما تؤمر به من الشرائع المودعة في تضاعيف ما أوتيتَه من المثاني السبعِ والقرآنِ العظيم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وحين يصل السياق إلى هذا الحد، يتجه بالخطاب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يمضي في طريقه. يجهر بما أمره الله أن يبلغه. ويسمى هذا الجهر صدعا -أي شقا- دلالة على القوة والنفاذ. لا يقعده عن الجهر والمضي شرك مشرك فسوف يعلم المشركون عاقبة أمرهم. ولا استهزاء مستهزئ فقد كفاه الله شر المستهزئين

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تفريع على جملة {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} [سورة الحجر: 87] بصريحه وكنايته عن التسلية على ما يلاقيه من تكذيب قومه. نزلت هذه الآية في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة ورسول الله عليه الصلاة والسلام مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم. رُوي عن عبد الله بن مسعود قال: ما زال النبي مستخفياً حتى نزلتْ: {فاصدع بما تؤمر} فخرج هو وأصحابه. يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت سورة المدثّر كان يدعو النّاس خفية وكان من أسلم من النّاس إذا أراد الصّلاة يذهب إلى بعْض الشّعاب يستخفي بصلاته من المشركين، فلحقهم المشركون يستهزئون بهم ويعِيبون صلاتهم، فحدث تضارب بينهم وبين سعد بن أبي وقاص أدمَى فيه سعد رجلاً من المشركين. فبعد تلك الوقعة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دار الأرقم عند الصّفا فكانوا يقيمون الصّلاة بها واستمروا كذلك ثلاث سنين أو تزيد، فنزل قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر} الآية. وبنزولها ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الاختفاء بدار الأرقم وأعلن بالدّعوة للإسلام جهراً. والصدع: الجهر والإعلان. وأصله الانشقاق. ومنه انصداع الإناء، أي انشقاقه. فاستعمل الصدع في لازم الانشقاق وهو ظهور الأمر المحجوب وراء الشيء المنصدع؛ فالمراد هنا الجهر والإعلان.

وما صدقُ « ما تؤمر» هو الدّعوة إلى الإسلام. وقَصْدُ شمول الأمر كلّ ما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتبليغه هو نكتة حذف متعلّق {تؤمر}، فلم يصرح بنحو بتبليغه أو بالأمر به أو بالدّعوة إليه. وهو إيجاز بديع. والإعراض عن المشركين الإعراض عن بعض أحوالهم لا عن ذواتهم. وذلك إبايتهم الجهر بدعوة الإسلام بين ظهرانيهم، وعن استهزائهم، وعن تصدّيهم إلى أذى المسلمين. وليس المراد الإعراض عن دعوتهم لأن قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر} مانع من ذلك، وكذلك جملة {إنا كفيناك المستهزئين}.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

ابتدأت الدعوة المحمدية بإعلانها بين أهل النبي صلى الله عليه وسلم فكان أول من آمن خديجة، ثم علي بن أبي طالب، ثم زيد بن حارثة ثم بين أصدقائه الذين يعرفون أمانته وفضل خلقه، وعظمة نفسه كأبي بكر، ثم أصدقائه كعثمان، وهكذا نبتت في خفاء كما نبتت البذرة في ركن مستور مغشي بلباب، حتى أمر الله نبيه أن يجهر وسط عشيرته فقال: {وأنذر عشيرتك الأقربين (214)} [الشعراء]، فجمعهم وأنذرهم ومنهم من ردوا سيئا كأبي لهب، ولكن العبادة كانت في خفاء لا يخرج المؤمنون جهارا، والإيذاء مع ذلك يتوالى، حتى دخل بعض الأقوياء بأشخاصهم فوق شرفهم النسبي كحمزة بن عبد المطلب والفاروق عمر بن الخطاب، فكان الجهر وتلقى الأذى بالمجاهرة ونزل قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (94)}.

والمعنى حينئذ، اجهر بالحق، وشق به ظلام الجاهلية، كما يشق الفجر بنوره ظلمة الليل.

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

...روح الآيتين ومقامهما يلهمان أنهما جزء من السياق السابق، وإنهما بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبث القوة والجرأة في نفسه مع بشرى من الله عز وجل بأنه كافيه وحاميه وعاصمه من المستهزئين بصورة عامة. وهي قوية رائعة في تلقينها وتطمينها وفي الخطة الحكيمة التي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بترسمها إزاء موقف الكفار وعنادهم. وجاءت خاتمة قوية للسورة التي احتوت فصولا في مواقف الكفار وأقوالهم وإنذارهم وطابع الختام بارز عليهما كما هو المتبادر.

ولقد تحققت بشرى الله عز وجل لرسوله بأنه قد كفاه المستهزئين وعصمه منهم فكانت معجزة من معجزات القرآن. وذلك بما كان من عدم قدرتهم عليه رغم مؤامراتهم، ثم بما كان من انتصارهم عليهم وهزيمة الشرك الساحقة وهلاك معظم رؤساء المستهزئين والمناوئين ودخول الناس في الله أفواجا، ثم في سلامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المكر والكيد والمؤامرات التي عمد أولئك الرؤساء إليها ضده والتي حكاها القرآن في آية سورة الأنفال هذه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

أي: افرغ لمهمتك؛ فالصدع تصنع شقاً في متماسك، كما نشق زجاجاً بالمشرط الخاص بذلك، أو ونحن نصنع شقاً في حائط. والرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء ليشق الكفر ويهدم الفساد القوي المتماسك الذي يقوي بقوة صناديد قريش. وقد شاع ذلك المصطلح "الصداع "في الزجاج؛ لأنه يصعب أن يجمع الإنسان الفتافيت والقطع الصغيرة التي تنتج من صدعه، وقد جاء الإيمان ليصدع بنيان الكفر والفساد المتماسك. وقول الحق سبحانه: {وأعرض عن المشركين} أي: أعطهم عرض كتفيك، ولا تسأل عنهم؛ فهم لن يسلموا لك، ذلك أنهم مستفيدون من الفساد الذي جئت أنت لتهدمه، ولكنهم سيأتون لك تباعاً بعد أن تتثبت دعوتك، وتصل قلوبهم إلي تيقن أن ما جئت به هو الحق. والمثل هو إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص؛ فقد قالا: لقد استقر الأمر لمحمد، ولم تعد معارضتنا له تفيد أحداً، ودخلا الإسلام.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} وجاهر به بقوّة، ولا تتوقف أمام أيّة حالةٍ من حالات التحدي {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشرِكِينَ} الذين يقفون أمامك، ليواجهوا الدعوة بالتآمر والكيد والتمرُّد على الله، فإنهم لا يستطيعون الوصول إلى ما يريدون من إجهاز على الإسلام، الأمر الذي يفرض عليك مواصلة السير من المواقع الثابتة التي تفرضها الرسالة، وعدم التوقف للرد على أي كلمة تصدر هنا وهناك، لأن الكلمات التي لا تصدر على أساس المسؤولية، لا ينبغي أن تثير اهتمام الداعية أو تعقّد نفسيّته، أو تضعف حركته أو توقف مسيرته...