تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

9 - 14 إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنزلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ .

أي : اذكروا نعمة اللّه عليكم ، لما قارب التقاؤكم بعدوكم ، استغثتم بربكم ، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم فَاسْتَجَابَ لَكُمْ وأغاثكم بعدة أمور : .

منها : أن اللّه أمدكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي : يردف بعضهم بعضا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

ثم ساق - سبحانه - بعض مظاهر تدبيره المحكم في هذه الغزوة ، وبعض النعم التي أنعم بها على المؤمنين ، وبعض البشارات التي تقدمت تلك الغزوة أو صاحبتها ، والتى كانت تدل دلالة واضحة على أن النصر سيكون للمسلمين فقال - تعالى - : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ . . عَذَابَ النار } .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } الاستغاثة : طلب الغوث والنصر ، يقال : غّوث الرجل ، أى : قال واغوثاه ، والاسم الغوث والغواث ، واستغاثنى فلان فأغثته ، والاسم الغياث .

وقوله { مُمِدُّكُمْ } من الإِمداد بمعنى الزيادة والإِغاثة ، وقد جرت عادة القرآن أن يستعمل الإِمداد في الخير ، وأن يستعمل المد في الشر والذم .

قال - تعالى - : { واتقوا الذي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } وقال - تعالى - : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } قال - تعالى - : { قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً } وقال - تعالى - : { الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } وقوله : { مُرْدِفِينَ } من الإِرداف بمعنى التتابع .

قال الفخر الرازى : قرأ نافع وأبو بكر عن عصام { مُرْدِفِينَ } - بفتح الدال - وقرأ الباقون بكسرها ، والمعنى على الكسر ، أى : ممتابعين يأتى بعضهم في إثر البعض كالقوم الذين أردفوا على الدواب .

والمعنى على قراءة الفتح ، أى : فعل بهم ذلك ، ومعناه أن الله - تعالى - أردف المسلمين وأمدهم بهم أي جعلهم خلف المسلمين لتقويتهم .

والمعنى : اذكروا - أيها المؤمنون - وقت أن كنتم - وأنتم على أبواب بدر - { تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } أى : تطلبون منه الغوث والنصر على عدوكم { فاستجاب لَكُمْ } دعاءكم ، وكان من مظاهر ذلك أن أخبركم على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - بأنى { مُمِدُّكُمْ } أى : معينكم وناصركم بألف من الملائكة مردفين ، أى : متتابعين ، بعضهم على إثر بعض ، أو أن الله - تعالى - جعلهم خلف المسلمين لتقويتهم وتثبيتهم .

ويروى الإِمام مسلم عن ابن عباس قال : " حدثنى عمر بن الخطاب قال : كان يوم بدر ، فاستقبل نبى الله - القبلة ، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ويقول : اللهم أنجز لى ما وعدتنى ، اللهم أنجز لى ما وعدتنى ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإِسلام لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف بربه ويقول : اللهم أنجز لى ما وعدتنى ، اللهم أنجز لى ما وعدتنى ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإِسلام لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه منكبيه .

فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه ، فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من وراءه ، وقال : يا نبى الله ! ! كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله - عز وجل - : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ } " الآية فأمده الله بالملائكة .

وروى البخارى عن ابن عباس قال : قال النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ، " اللهم أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تعبد ، فأخذ أبو بكر بيده ، فقال حسبك ، فخرج - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " " .

وروى سعيد بن منصور عن طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : " لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وتكاثرهم ، وإلى الله فاستقلهم ، فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في صلاته : " اللهم لا تودع منى اللهم لا تخذلنى ، اللهم لا تترنى - أي لا تقطعنى عن أهلى وأنصارى - أولا تنقضى شيئاً من عطائك - اللهم أنشدك ما وعدتنى - أى : أستنجزك وعدك " " .

وروى ابن إسحاق في سيرته أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتنى .

فإن قيل : إن هذه النصوص يؤخذ منها أن هذه الاستغاثة كانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم فلماذا أسندها القرآن إلى المؤمنين ؟

فالجواب : أن المؤمنين كانوا يؤمنون على دعائه - صلى الله عليه وسلم - ويتأسون به في الدعاء ، إلا ان الروايات ذكرت دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو قائد المؤمنين ، وهو الذي يحرص الرواة على نقل دعائه ، أكثر من حرصهم على نقل دعاء غيره من أصحابه .

وقيل : إن الضمير في قوله { تَسْتَغِيثُونَ } للرسول - صلى الله عليه وسلم - وجئ به مجموعا على سبيل التعظيم ، ويعكر على هذا القبل أن السياق بعد ذلك لا يلتئم معه ، لأنه خطاب للمؤمنين بالنعم التي أنعم بها - سبحانه - عليهم .

وعبر - سبحانه - بالمضارع { تَسْتَغِيثُونَ } مع أن استغاثتهم كانت قبل نزول الآية - استحضارا للحال الماضية ، حتى يستمروا على شكرهم لله ، ولذلك عطف عليه . فاستجاب لكم ، بصيغة الماضى مسايرة للواقع .

وكان العطف بالفاء للإِشعار بأن إجابة دعائهم كانت في أعقاب تضرعهم واستغنائهم وهذا من فضل الله عليهم ، ورحمته بهم ، حيث أجارهم من عدوهم ، ونصرهم عليه - مع قلتهم عنه - نصرا مؤزرا .

والسين والتاء في قوله : { تَسْتَغِيثُونَ } للطلب ، أى : تطلبون منه الغوث بالنصر .

فإن قيل : إن الله - تعالى - ذكر هنا انه أمدهم بألف من الملائكة ، وذكر في سورة آل عمران أنه امدهم بأكثر من ذلك فكيف الجمع بينهما ؟

فالجواب أن الله - تعالى - أمد المؤمنين بألف من الملائكة في يوم بدر ، كما بين هنا في سورة الأنفال ، ثم زاد عددهم إلى ثلاثة آلاف كما قال - تعالى - في سورة آل عمران : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فاتقوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ . . . }

ثم زاد عددهم مرة أخرى إلى خمسة آلاف ، قال - تعالى - { بلى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ } وقد صبروا واتقوا وأتاهم المشركون من مكة فورا حين استنفرهم أبو سفيان لإِنقاذ العير . . فكان المدد خمسة آلاف .

واختار ابن جرير أنهم وعدوا بالمدد بعد الألف ، ولا دلالة في الآيات على أنهم أمدوا بما زاد على ذلك ، ولا على أنهم لم يمدوا ، ولا يثبت شئ من ذلك إلا بنص .

وهذا بناء على أن المدد الذي وعد الله به المؤمنين في آيات سورة آل عمران كان خاصاً بغزوة بدر .

أما على الرأى القائل بأن هذا المدد الذي بتلك الآيات كان خاصا بغزوة أحد فلا يكون هناك إشكال بين ما جاء في السورتين .

وقد بسط القول في هذه المسألة الإِمام ابن كثير فقال ما ملخصه :

" اختلف المفسرون في هذا الوعد هل كان يوم بدر أو يوم أحد على قولين :

أحدهما : أن قوله - تعالى - : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة } متعلق بقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ } وهذا قول الحسن والشعبى والربيع بن أنس وغيرهم . . .

فإن قيل فكيف الجمع بين هذه الآيات - التي في سورة آل عمران وبين قوله في سورة الأنفال - : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ } .

فالجواب : أن التنصيص على الألف هنا ، لا ينافى الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله - تعالى - { مُرْدِفِينَ } بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف آخر مثلهم .

قال الربيع بن أنس : أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف .

والقول الثانى يرى أصحابه أن هذا الوعد - وهو قوله - تعالى - : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة } متعلق بقوله - قبل ذلك - { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ المؤمنين مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } وذلك يوم احد .

وهو قول مجاهد ، وعكرمة ، والضحالك ، وغيرهم .

لكن قالوا : لم يحصل الإِمداد بالخمسة الآلاف ، لأن المسلمين يومئذ فروا .

وزاد عكرمة : ولا بالثلاثة الآلاف لقوله - تعالى { بلى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا ملك واحد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

ثم يمضي السياق في استحضار جو المعركة وملابساتها ومواقفها ، حيث يتجلى كيف كانت حالهم ، وكيف دبر الله لهم ، وكيف كان النصر كله وليد تدبير الله أصلاً . . . والتعبير القرآني الفريد يعيد تمثيل الموقف بمشاهده وحوادثه وانفعالاته وخفقاته ، ليعيشوه مرة أخرى ، ولكن في ضوء التوجيه القرآني ، فيروا أبعاده الحقيقية التي تتجاوز بدراً ، والجزيرة العربية ، والأرض كلها ؛ وتمتد عبر السماوات وتتناول الملأ الأعلى ؛ كما أنها تتجاوز يوم بدر ، وتاريخ الجزيرة العربية ، وتاريخ البشرية في الأرض ، وتمتد وراء الحياة الدنيا ، حيث الحساب الختامي في الآخرة والجزاء الأوفى ، وحيث تشعر العصبة المسلمة بقيمتها في ميزان الله ، وقيمة أقدارها وأعمالها وحركتها بهذا الدين ومقامها الأعلى : ( إذ تستغيثون ربكم ، فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين . وما جعله الله إلا بشرى ، ولتطمئن به قلوبكم ، وما النصر إلا من عند الله ، إن الله عزيز حكيم . إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ، وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ، ويذهب عنكم رجز الشيطان ، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام . إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ، فاضربوافوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان . ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ، ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب . ذلكم فذوقوه ، وأن للكافرين عذاب النار ) . .

إنها المعركة كلها تدار بأمر الله ومشيئته ، وتدبيره وقدره ؛ وتسير بجند الله وتوجيهه . . وهي شاخصة بحركاتها وخطراتها من خلال العبارة القرآنية المصورة المتحركة المحيية للمشهد الذي كان ، كأنه يكون الآن !

فأما قصة الاستغاثة فقد روى الإمام أحمد - بإسناده - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر نظر النبي [ ص ] إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيف ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة . فاستقبل النبي [ ص ] القبلة ، وعليه رداؤه وإزاره ، ثم قال : " اللهم أنجز لي ما وعدتني . اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً " قال : فما زال يستغيث ربه ويدعوه ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّاه ، ثم التزمه من ورائه ، ثم قال : يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز وجل : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) . .

وتروى روايات كثيرة مفصلة عن الملائكة في يوم بدر : عددهم . وطريقة مشاركتهم في المعركة . وما كانوا يقولونه للمؤمنين مثبتين وما كانوا يقولونه للمشركين مخذلين . . . ونحن - على طريقتنا في الظلال - نكتفي في مثل هذا الشأن من عوالم الغيب بما يرد في النصوص المستيقنة من قرآن أو سنة . والنصوص القرآنية هنا فيها الكفاية : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنِّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) . . فهذا عددهم . . ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) . . فهذا عملهم . . ولا حاجة إلى التفصيل وراء هذا فإن فيه الكفاية . . وبحسبنا أن نعلم أن الله لم يترك العصبة المسلمة وحدها في ذلك اليوم ، وهي قلة والأعداء كثرة . وأن أمر هذه العصبة وأمر هذا الدين قد شارك فيه الملأ الأعلى مشاركة فعلية على النحو الذي يصفه الله - سبحانه - في كلماته . .

قال البخاري : باب شهود الملائكة بدراً : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير ، عن يحيى بن سعيد ، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي ، عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر - قال : جاء جبريل إلى النبي [ ص ] فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ? قال : " من أفضل المسلمين " - أو كلمة نحوها - قال : " وكذلك من شهد بدراً من الملائكة " . . . [ انفرد بإخراجه البخاري ] . . .

( إذ تستغيثون ربكم ، فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

وقوله : { إذ تستغيثون ربكم } الآية ، { إذ } متعلقة بفعل ، تقديره واذكر إذ وهو الفعل الأول الذي عمل في قوله { وإذ يعدكم } [ الأنفال الآية : 7 ] وقال الطبري : هي متعلقة ب { يحق . . ويبطل } .

قال القاضي أبو محمد : ويصح أن يعمل فيها { يعدكم } [ الأنفال : 7 ] فإن الوعد كان في وقت الاستغاثة ، وقرأ أبو عمرو بإدغام الذال في التاء واستحسنها أبو حاتم ، و { تستغيثون } معناه تطلبون ، وليس يبين من ألفاظ هذه الآية أن المؤمنين علموا قبل القتال بكون الملائكة معهم ، فإن استجاب يمكن أن يقع في غيبه تعالى ، وقد روي أنهم علموا ذلك قبل القتال ، ومعنى التأنيس وتقوية القلوب يقتضي ذلك ، وقرأ جمهور الناس «أني » بفتح الألف ، وقرأ أبو عمرو في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر بخلاف عنه «إني » بكسر الألف أي قال إني ، و { ممدكم } أي مكثركم ومقويكم من أمددت . وقرأ جمهور الناس «بألف » وقرأ عاصم الجحدري «بآلف »{[5227]} على مثل فلس وأفلس فهي جمع ألف ، والإشارة بها إلى الآلاف المذكورة في آل عمران{[5228]} ، وقرأ عاصم الجحدري أيضاً «بآلاف » و { مردفين } معناه متبعين ، ويحتمل أن يراد المردفين المؤمنين أي أردفوا بالملائكة ف { مردفين } على هذا حال من الضمير في قوله { ممدكم } ويحتمل أن يراد به الملائكة أي أردف بعضهم بعض غير نافع «مردِفين » بكسر الدال وهي قراءة الحسن ومجاهد والمعنى فيها تابع بعضهم بعضاً{[5229]} وروي عن ابن عباس خلف كل ملك ملك ، وهذا معنى التتابع يقال ردف وأردف إذا أتبع وجاء بعد الشيء ، ويحتمل أن يراد مردفين المؤمنين .

ويحتمل أن يراد مردفين بعضهم بعضاً ، ومن قال «مردفين » بمعنى أن كل ملك أردف ملكاً وراءه فقول ضعيف لم يأت بمقتضاه رواية ، وقرأ رجل من أهل مكة رواه عنه الخليل «مرَدِّفين » بفتح الراء وكسر الدال وشدها .

وروي عن الخليل أنها بضم الراء كالتي قبلها وفي غير ذلك ، وقرأ بعض الناس بكسر الراء مثلهما في غير ذلك ، حكى ذلك أبو عمرو عن سيبويه ، وحكاه أبو حاتم قال : كأنه أراد مرتدفين فأدغم وأتبع الحركة ، ويحسن مع هذه القراءة كسر الميم ولا أحفظه قراءة ، وأنشد الطبري شاهداً على أن أردف بمعنى جاء تابعاً قول الشاعر [ خزيمة بن مالك ] : [ الوافر ]

إذا الجوزاءُ أردَفَتِ الثّريَا*** ظَنَنْتُ بآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونا{[5230]}

والثريا تطلع قبل الجوزاء وروي في الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر ، واختلف في غيره من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل : لم تقاتل يوم بدر وإنما وقفت وحضرت وهذا ضعيف ، وحكى الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : نزل جبريل في ألف ملك على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف ملك في المسيرة وأنا فيها ، وقال ابن عباس : كانا في خمسمائة خمسمائة ، وقال الزجّاج : قال بعضهم : إن الملائكة خمسة آلاف ، وقال بعضهم : تسعة آلاف ، وفي هذا المعنى أحاديث هي مستوعبة في كتاب السير .


[5227]:- أصلها على هذا (أألف) بهمزتين قلبت الثانية منهما ألفا لأنها ساكنة وما قبلها مفتوح فصارت (آلف).
[5228]:- في قوله تعالى في الآية (125): {بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}.
[5229]:- قال الإمام ابن خالويه: "الحجة لمن كسر الدال أنه جعل الفعل للملائكة فأتى باسم الفاعل من (أردف)، والحجة لمن فتح الدال أنه جعل الفعل لله عز وجل فأتى باسم المفعول من (أردف)، والعرب تقول: أردفت الرجل: أركبته على قطاة دابتي خلفي، وردفته: إذا ركبت خلفه: راجع كتاب "الحجة في القراءات السبع"- هذا وقطاة الدابة: العجز وما بين الوركين، أو مقعد الرديف من الدابة. "القاموس المحيط- مادة: قطا".
[5230]:- البيت لخزيمة بن مالك بن نهد- جاء ذلك في (اللسان) مادة: ردف، قال: وأردفه: لغة في ردفه مثل تبعه وأتبعه معنى، قال خزيمة: إذ الجوزاء.." وهو يريد فاطمة بنت يذكر بن عنزة أحد القارظين، ومعنى البيت على ما حكاه اللسان عن أبي بكر بن السراج: إن الجوزاء تردف الثريا في شدة الحر، فتتكبد السماء في آخر الليل، وعند ذلك تنقطع المياه وتجف فتتفرق الناس في طلب المياه، فتغيب عنه محبوبته، فلا يدري أين مضت، ولا أين نزلت. (راجع اللسان والتاج).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

... {إذ تستغيثون} في النصر، {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة} يوم بدر، {مردفين} [آية:9] يعنى متتابعين...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ويبطل الباطل حين تستغيثون ربكم، ف «إذا» من صلة «يبطل» ومعنى قوله:"تسْتَغيثونَ رَبّكُمْ": تستجيرون به من عدوّكم، وتدعونه للنصر عليهم. "فاسْتَجابَ لَكُمْ "يقول: فأجاب دعاءكم بأني ممدكم بألف من الملائكة يُردف بعضهم بعضا ويتلو بعضهم بعضا...

حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن عكرمة بن عمار، قال: ثني سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: ثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعدتهم، ونظر إلى أصحابه نيفا على ثلاث مئة، فاستقبل القبلة، فجعل يدعو ويقول: «اللهمّ أنْجِزْ لي ما وَعَدَتْني اللّهُمّ إنْ تَهْلِكَ هَذهِ العِصَابَةُ مِنْ أهْلِ الإسْلامِ، لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ» فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه، وأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فوضع رداءه عليه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: كفاك يا نبيّ الله بأبي وأمي مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله: "إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فاسْتَجابَ لَكُمْ أنّي مُمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ"...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والاستغاثة: طلب المعونة وهو سد الخلة في وقت شدة الحاجة... والاستجابة: موافقة المسألة بالعطية...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الاستغاثة على حسب شهود الفاقة وعدم المنة والطاقة. والتحقق بانفراد الحق بالقدرة على إزالة الشكاة تيسيرٌ للمسؤول وتحقيق للمأمول. فإذا صدقت الاستغاثة بتَعَجُّل الإجابة حَصُلَتْ الآمالُ وقُضِيَتْ الحاجة.. بذلك جَرَتْ سُنَّتُه الكريمة...

ويقال بَشَرَّهم بالإمداد بالمَلَك، ثم رقَّاهم عن هذه الحالة بإشهادهم أن الإنجاز من المَلِكِ، ولم يَذرْهم في المساكنة إلى الإمداد بالمَلَك فقال: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} ثم قال: {إنَّ اللهَ عَزِيزٌ} فالنجاة من البلاء حاصلة، وفنون الإنجاز والإمداد بالطاقة متواصلة، والدعوات مسموعة، والإجابة غير ممنوعة، وزوائد الإحسان مُتَاحة، ولكن الله عزيز. الطالبُ واجدٌ ولكن بعطائه، والراغب واصل ولكن إلى مبارِّه. والسبيلُ سهلٌ ولكن إلى وجدان لطفه،...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و {تستغيثون} معناه تطلبون، وليس يبين من ألفاظ هذه الآية أن المؤمنين علموا قبل القتال بكون الملائكة معهم، فإن استجاب يمكن أن يقع في غيبه تعالى، وقد روي أنهم علموا ذلك قبل القتال، ومعنى التأنيس وتقوية القلوب يقتضي ذلك...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في قوله: {إذ تستغيثون} قولان:

القول الأول: أن هذه الاستغاثة كانت من الرسول عليه السلام. قال ابن عباس...

القول الثاني: أن هذه الاستغاثة كانت من جماعة المؤمنين لأن الوجه الذي لأجله أقدم الرسول على الاستغاثة كان حاصلا فيهم، بل خوفهم كان أشد من خوف الرسول، فالأقرب أنه دعا عليه السلام وتضرع على ما روي، والقوم كانوا يؤمنون على دعائه تابعين له في الدعاء في أنفسهم فنقل دعاء رسول الله لأنه رفع بذلك الدعاء صوته، ولم ينقل دعاء القوم، فهذا هو طريق الجمع بين الروايات المختلفة في هذا الباب...

قوله: {إذ تستغيثون} أي تطلبون الإغاثة يقول الواقع في بلية أغثني أي فرج عني...

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

و {مُمِدُّكُم} أي: مكثركم، ومقويكم...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

(هذا ومن باب الإشارة): {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} بالبراءة عن الحول والقوة والانسلاخ عن ملابس الأفعال والصفات النفسية {فاستجاب لَكُمْ} عند ذلك {أَنّي مُمِدُّكُمْ} من عالم الملكوت لمشابهة قلوبكم إياه حينئذ {بِأَلْفٍ مّنَ الملائكة} أي القوى السماوية وروحانياتها {مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] لملائكة أخرى وهو إجمال ما في آل عمران...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

روى أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلا، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل نبي الله القبلة ثم مد يده وجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه مادّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رادءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} فلما كان يومئذ والتقوا هزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر سبعون) الخ، وأما البخاري فروى عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر (اللهم أني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد) فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك، فخرج وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر: 45]. وعن سعيد بن منصور من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته (اللهم لا تودّع مني، اللهم لا تخذلني، اللهم لا تتركني اللهم أنشدك ما وعدتني) وعن ابن إسحاق في سيرته أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم هذه قريش أتت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني).

وقد استشكل ما ظهر من خوف النبي صلى الله عليه وسلم مع وعد الله له بالنصر عاما وخاصا ومن طمأنينة أبي بكر رضي الله عنه على خلاف ما كان ليلة الغار إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم آمنا مطمئنا متوكلا على ربه، وكان أبو بكر خائفا وجلا كما يدل عليه قوله عز وجل: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} [التوبة: 40]. قال الحافظ في الفتح قال الخطابي لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال، بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم لأنه كان أول مشهد شهده فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة فلما قال له أبو بكر ما قال كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة فلهذا عقب بقوله: {سيهزم الجمع} انتهى ملخصا. (وقال غيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة في مقام الخوف وهو أكمل حالات الصلاة، وجاز عنده أن لا يقع النصر يومئذ لأن وعده بالنصر لم يكن معينا لتلك الواقعة وإنما كان مجملا. هذا الذي يظهر، وزل من لا علم عنده ممن ينسب إلى الصوفية في هذا الموضع زللا شديدا فلا يلتفت إليه ولعل الخطابي أشار إليه. اهـ ما أورده الحافظ في الفتح فهو لم يطلع على أحسن منه على سعة اطلاعه.

وأقول يصح أن يكون من مقاصده صلى الله عليه وسلم من الدعاء يومئذ تقوية قلوب أصحابه وهو ما يعبر عنه في عرف هذا العصر بالقوة المعنوية ولا خلاف بين العقلاء حتى اليوم في أنها أحد أسباب النصر والظفر، ولكن لا يصح أن يكون علم باستجابة الله له لما وجد أبو بكر في نفسه القوة والطمأنينة فعلمه صلى الله عليه وسلم بربه وبوقت استجابته له أقوى وأعلى من أن يستنبطه استنباطا من حال أبي بكر رضي الله عنه. وأما قول بعضهم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومئذ في مقام الخوف فهو ظاهر ولكنه لم يبين معه سببه ولا كونه لا ينافي كمال توكله على ربه، وكونه فيه أعلى وأكمل من صاحبه بدرجات لا يعلوها شيء، وقد بينا ذلك بالتفصيل في تفسير {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران: 110] وهي في سياق غزوة أحد ونعيد البحث مع زيادة فائدة فنقول إنه صلى الله عليه وسلم أعطى كل مقام حقه بحسب الحال التي كان فيها، فلما كان عند الخروج إلى الهجرة قد عمل مع صاحبه كل ما أمكنهما من الأسباب لها وهو إعداد الزاد والراحلتين والدليل والاستخفاء في الغار لم يبق عليهما إلا التوكل على الله تعالى والثقة بمعونته وتخذيل أعدائه فكان صلى الله عليه وسلم لكمال توكله آمنا مطمئنا بما أنزل الله عليه من السكينة وأيده به من أرواح الملائكة، وأبو بكر رضي الله عنه لم يرتق إلى هذه الدرجة فكان خائفا حزينا محتاجا إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم له. وأما يوم بدر فكان المقام فيه الخوف لا مقام التوكل المحض، وذلك أن التوكل الشرعي بالاستسلام لعناية الرب تعالى وحده إنما يصح في كل حال بعد اتخاذ الأسباب لها المعلومة من شرع الله ومن سننه في خلقه كما بيناه في تفسير قوله تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} [آل عمران: 159] من ذلك السياق ومن المعلوم بالقطع أن أسباب النصر والغلب في الحرب لم تكن تامة عند المسلمين في ذلك الوقت لا من الجهة المادية كالعدد والعدد والغذاء والعتاد والخيل والإبل بل لم يكن من هذه الجهة إلا شيئا ضعيفا، ولا من الجهة المعنوية لما تقدم من كراهة بعضهم للقتال وجدال النبي صلى الله عليه وسلم فيه.

لهذا خشي صلى الله عليه وسلم أن يصيب أصحابه تهلكة على قلتهم لتقصيرهم في بعض الأسباب المعنوية فوق التقصير غير الاختياري في الأسباب المادية، فكان يدعو بأن لا يؤاخذهم الله تعالى بتقصير بعضهم في إقامة سننه عقابا لهم كما عاقبهم بعد ذلك في غزوة أحد ذلك العقاب المشار إليه بقوله تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165]. وأما أبو بكر رضي الله عنه فلم يكن يعلم من ذلك كل ما يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد رآه منزعجا خائفا فكان همه تسليته صلى الله عليه وسلم وتذكيره بوعد ربه لشدة حبه له، وفي الغار كان خائفا عليه ولكنه رآه مطمئنا فلم يحتج إلى تسليته بل كان صلى الله عليه وسلم هو المسلي له لما رأى من خوفه أن يعرض له ألم أو أذى. فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أعطى كل مقام حقه: مقام التوكل المحض بعد استيفاء أسباب اتقاء أذى المشركين عند الهجرة، ومقام الخوف على جماعة المؤمنين لما ذكرنا آنفا من كراهة بعضهم للقتال ومجادلتهم له فيه بعد ما تبين لهم أنه الحق الذي يريده الله تعالى بوعده إياهم إحدى الطائفتين. أجل، كان صلى الله عليه وسلم يعلم أن شؤون الاجتماع البشري كسائر أطوار العالم لله تعالى فيها سنن مطردة لا تتغير ولا تتبدل كما تكرر ذلك في السور المكية بوجه عام، ثم ذكر بشأن القتال خاصة في الكلام على غزوة أحد من سورة آل عمران المدنية {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا} [آل عمران: 137] ثم في سورة الأحزاب المدنية التي نزلت في غزوتها التي تسمى غزوة الخندق أيضا. وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أن سننه تعالى في القتال كسائر سننه في أنها لا تبديل لها ولا تحويل من قبل نزول ما أشرنا إليه في هاتين السورتين المدنيتين اللتين نزلتا بعد غزوة بدر فلذلك كان خوفه على المؤمنين عظيما. فإن قيل: كيف يصح هذا وقد وعده الله تعالى إحدى الطائفتين أنها تكون للمؤمنين وكشف له عن مصارع صناديد المشركين؟ فإذا كان قد جوز أن يكون وعده العام بالنصر له وللمؤمنين (وهو مكرر في السور المكية والمدنية وصرح في بعضها بأنه من سننه في رسله والمؤمنين بهم) غير معين أن يكون في هذه الغزوة كما قال بعض العلماء فلا يأتي مثل هذا الجواز في وعدهم إحدى الطائفتين فيها ولاسيما بعد أن نجت طائفة العير، انحصر الوعد في طائفة النفير، وبعد أن كشف تعالى له عن مصارع القوم؟ قلنا: أما كشف مصارع القوم له فالظاهر المتعين أنه كان عقب دعائه واستغاثته ربه، ولذلك تمثل بعده بقوله تعالى سورة القمر: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر: 45] وزال خوفه وصار يعين أمكنة تلك المصارع. وأما الوعد فسيأتي فيه أنه كان في زمن الاستغاثة والاستجابة فإن كان قبله فأمثل ما يقال فيه وأقواه ما قاله العلماء في كثير من وعود الكتاب والسنة المطلقة بالجزاء على بعض الأعمال بأنه مقيد بما تدل عليه النصوص الأخرى من الإيمان الصحيح واجتناب الكبائر، ومن ذلك أن الوعد المطلق بالنصر للرسل والمؤمنين في عدة آيات مقيد بما اشترط له في آيات أخرى، مثال الأول قوله تعالى في سورة المؤمن المكية {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51] وقوله في سورة الروم المكية أيضا: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [الروم: 45].

ومثال الثاني قوله تعالى في الآيات التي أذن الله فيها للمؤمنين بالقتال دفاعا عن أنفسهم أول مرة وذلك في سورة الحج المدنية {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج: 40] وقوله بعد ذلك في سورة القتال (أو محمد) {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد: 8] وقد سبق لنا بيان هذا المعنى في التفسير وإقامة الحجة به على المسلمين الجاهلين المغرورين والخرافيين الذين يتكلون في أمورهم على الصلحاء الميتين في قضاء حوائجهم بخوارق العادات، وتبديل سنن الله في الأسباب والمسببات، حتى كأن قبورهم معامل للكرامات، يتهافت عليها الأفراد والجماعات، يدعون أصحابها خاشعين، ما لا يدعو به الموحدون إلا الله رب العالمين. كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة المؤمنين. وجملة القول في هذا المقام أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه كان يعلم بإعلام القرآن أن للنصر في القتال أسباب حسية ومعنوية، وأن لله تعالى فيها سننا مطردة، وأن وعد الله تعالى وآياته منها المطلق ومنها المقيد، وأن المقيد يفسر المطلق ولا يعارضه، ولا اختلاف ولا تعارض في كلام الله تعالى، وكان يعلم مع ذلك أن لله تعالى عناية وتوفيقا يمنحه من شاء من خلقه فينصر به الضعفاء على الأقوياء والفئة القليلة على الفئة الكثيرة بما لا ينقض به سننه، وأن له فوق ذلك آيات يؤيد بها رسله، فلما عرف من ضعف المؤمنين وقلتهم ما عرف استغاث الله تعالى ودعاه ليؤيدهم بالقوة المعنوية، ويحفهم بالعناية الربانية، التي تكون بها القوة الروحانية، أجدر بالنصر من القوة المادية، وكان كل من علم بدعائه يؤمن عليه.

وكانوا يتأسون به في هذا الدعاء، فيستغيثون ربهم كما استغاثه وقد أسند الله إليهم ذلك وأجابهم إلى ما سألوا بقوله: {إذ تستغيثون ربكم} قيل إن هذا بدل من قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} وظاهر هذا أن زمن الوعد والاستغاثة والاستجابة واحد على اتساع فيه وحينئذ يرتفع الإشكال...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يمضي السياق في استحضار جو المعركة وملابساتها ومواقفها، حيث يتجلى كيف كانت حالهم، وكيف دبر الله لهم، وكيف كان النصر كله وليد تدبير الله أصلاً... والتعبير القرآني الفريد يعيد تمثيل الموقف بمشاهده وحوادثه وانفعالاته وخفقاته، ليعيشوه مرة أخرى، ولكن في ضوء التوجيه القرآني، فيروا أبعاده الحقيقية التي تتجاوز بدراً، والجزيرة العربية، والأرض كلها؛ وتمتد عبر السماوات وتتناول الملأ الأعلى...

وحيث تشعر العصبة المسلمة بقيمتها في ميزان الله، وقيمة أقدارها وأعمالها وحركتها بهذا الدين ومقامها الأعلى...المعركة كلها تدار بأمر الله ومشيئته، وتدبيره وقدره؛ وتسير بجند الله وتوجيهه.. وهي شاخصة بحركاتها وخطراتها من خلال العبارة القرآنية المصورة المتحركة المحيية للمشهد الذي كان، كأنه يكون الآن!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

يتعلق ظرف {إذ تستغيثون ربكم} بفعل {يريد الله} [الأنفال: 7] لأن إرادة الله مستمر تعلقها بأزمنة منها زمانُ استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمينَ ربّهم على عدوهم، حين لقائهم مع عدوهم يومَ بدر، فكانت استجابة الله لهم بإمدادهم بالملائكة، من مظاهر إرادته تحقيقَ الحق فكانت الاستغاثةُ يوم القتال في بدر وإرادة الله أن يُحِق الحق حصلت في المدينة يوم وعَدَهم الله إحدى الطائفتين، ورشح لهم أن تكون إحدى الطائفتين ذات الشوكة، وبيْنَ وقت الإرادة ووقت الاستغاثة مدةَ أيام، ولكن لما كانت الإرادة مستمرة إلى حين النصر يوم بدر صح تعليق ظرف الاستغاثة بفعلها، لأنه اقترن ببعضها في امتدادها، وهذا أحسن من الوجوه التي ذكروها في متعلق هذا الظرف أو موقعه...

والإرداف الإتباع والإلحاق فيكون الوعد بألف وبغيرها على ما هو متعارف عندهم من إعداد نجدة للجيش عند الحاجة تكون لهم مدداً، وذلك أن الله أمدهم بآلاف من الملائكة بلغوا خمسة آلاف كما تقدم في سورة آل عمران، ويجوز أن يكون المراد بألف هنا مطلق الكثرة فيفسره قوله: {بثلاثة آلافٍ} في سورة آل عمران (124)، وهم مردَفون بألفين، فتلك خمسة آلاف، وكانت عادتهم في الحرب إذا كان الجيش عظيماً أن يبعثوا طائفة منه ثم يعقبوها بأخرى لأن ذلك أرهب للعدو. ويوجه سيوفهم، وحلول الملائكة في المسلمين كان بكيفية يعلمها الله تعالى: إما بتجسيم المجردات فيراهم من أكرمه الله برؤيهم، وإما بإراءة الله الناس ما ليس من شأنه أن يُرى عادة...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وهذا تنبيه من كتاب الله إلى أن الرجوع إلى الله واستمداد عونه ونصره في مثل هذه المواقف- مواقف الدفاع عن الإسلام والتضحية في سبيله بالنفس والنفيس- أمر لا غنى عنه في كسب المعارك لمن يريد النصر ويسعى إليه. ومن أجل ذلك سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السنة: سنة الاستغاثة بالله والاستنصار بقوته، رجاء إمداده وإعانته، إذ لا غنى عنهما في سلم أو حرب، لقوي أو ضعيف...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}. فقد كان الجوّ يوحي بالتوتّر وينذر بالخوف، لأن ميزان القوّة لم يكن متعادلاً، بل كان يميل إلى جانب العدو...

.وكانت أول تجربة للمسلمين في المعارك بهذه الصفة، وكان جوّهم يوحي بالقوّة الروحية الواثقة بحقها من خلال الثقة بربها... ولكن هناك فرقاً بين الأسلوب الإيحائي بالقوة المادية، الذي يعبّر عن نفسه، باستعراض الأدوات التي تتحرك فيها القوّة، بأساليب التخويف والتهويل، وبين الأسلوب الإيحائي بالقوة الروحية الذي يعبر عن نفسه بالابتهال إلى الله، والرجوع إليه، والانسحاق بين يديه، والشعور بالحاجة إلى الإمداد الإلهي في ما يوحي به من الروح المطمئنة، والإرادة القوية، والشعور الهادئ، ولذلك كانت المعركة غير المتكافئة منطلقاً للأجواء الروحية التي انطلق المسلمون معها بقيادة الرسول للاستغاثة بالله، بعيداً عن كل الأجواء الاستعراضية. فقد كانوا في شغل شاغلٍ عن الفكرة التي توحي للمشركين بأنهم أقوياء، وكان همّهم الكبير أن يحصلوا على الإمداد الإلهي، ليحصلوا من خلاله على الشعور الداخلي بالقوّة، الذي يدفع بهم إلى الثبات والصمود والاندفاع في المعركة، ليكون ذلك هو الإيحاء الحقيقي للمشركين بالمعنى العميق للقوّة لدى المسلمين. إمداد المسلمين بألف من الملائكة مردفين وهذا ما أراد القرآن الكريم التعبير عنه في حديثه عن استغاثة المسلمين بالله. وقيل إن النبي قد بدأ ذلك لمّا نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلَّة عدد المسلمين، فاستقبل القبلة وقال: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، فما يزال يهتف لربّه ويداه ممدودتان حتى سقط رداؤه عن منكبيه. وكانت الاستجابة الإلهية بالألطاف الغيبية المتنوعة التي جعلتهم يعيشون حركة الواقع في أجواء الغيب. {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْملائِكَةِ مُرْدِفِينَ}. والإرداف هو أن يجعل الراكب ردفاً لغيره. «وبهذا المعنى تلائم الآية ما في قوله تعالى في ما يشير به إلى هذه القصة في سورة آل عمران: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ*إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْملائِكَةِ مُنزَلِينَ* بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ*وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 123 126]. فإن تطبيق الآيات من السورتين يوضح أن المراد بنزول ألف من الملائكة مردفين، نزول ألف منهم يستتبعون آخرين، فينطبق الألف المردفون على الثلاثة آلاف المنزلين» [2]. وهذا ما ذكره صاحب تفسير الميزان، ولعلَّ هذا أقرب من الوجوه الأخرى التي ذكرها المفسرون. وكانت هذه الاستجابة الإلهية مصدر قوّةٍ روحية كبيرة، في ما أثارته في نفوسهم حركة الملائكة في المعركة بما كانوا يحملونه في أفكارهم عن القوّة الغيبيّة التي يتمتع بها هؤلاء. ولكن الملائكة الذين أنزلهم الله إلى ساحة المعركة، لم تكن مهمتهم قتاليّةً، لأن الله لم يرد للمسلمين أن يستسلموا للاسترخاء، على أساس الاعتقاد بأن الملائكة جاءت لتقاتل بالنيابة عنهم. ولو كان الأمر كذلك، لما كانت هناك حاجةٌ ملحّةٌ لأيّة معركة وأيّ قتال، لأن القوة الغيبيّة كفيلةٌ بتصفية جميع الأعداء، بل كانت مهمتهم تطمينيةً نفسية،