فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

قوله : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ } الظرف متعلق بمحذوف ، أي واذكروا وقت استغاثتكم . وقيل بدل من { وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله } معمول لعامله . وقيل : متعلق بقوله : { لِيُحِقَّ الحق } والاستغاثة : طلب الغوث . يقال : استغاثني فلان فأغثته ، والاسم الغياث . والمعنى : أن المسلمين لما علموا أنه لا بدّ من قتال الطائفة ذات الشوكة ، وهم النفير كما أمرهم الله بذلك ، وأراده منهم ، ورأوا كثرة عدد النفير ، وقلة عددهم ، استغاثوا بالله سبحانه . وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن عدد المشركين يوم بدر ألف ، وعدد المسلمين ثلثمائة وسبعة عشر رجلاً ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ذلك استقبل القبلة ، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : " اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " الحديث { فاستجاب لَكُمْ } عطف على تستغيثون داخل معه في التذكير ، وهو وإن كان مستقبلاً فهو بمعنى الماضي ، ولهذا عطف عليه استجاب .

قوله : { أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الملائكة } أي بأني ممدكم ، فحذف حرف الجرّ وأوصل الفعل إلى المفعول ، وقرئ بكسر الهمزة على إرادة القول ، أو على أن في { استجاب } معنى القول .

قوله : { مُرْدِفِينَ } قرأ نافع بفتح الدال اسم مفعول ، وقرأ الباقون بكسرها اسم فاعل وانتصابه على الحال . والمعنى على القراءة الأولى : أنه جعل بعضهم تابعاً لبعض . وعلى القراءة الثانية : أنهم جعلوا بعضهم تابعاً لبعض وقيل : إن مردفين على القراءتين نعت لألف . وقيل : إنه على القراءة الأولى ، حال من الضمير المنصوب في ممدكم : أي ممددكم في حال إردافكم بألف من الملائكة . وقد قيل : إن ردف وأردف بمعنى واحد . وأنكره أبو عبيدة قال : لقوله تعالى : { تَتْبَعُهَا الرادفة } ولم يقل المردفة . قال سيبويه : وفي الآية قراءة ثالثة وهي «مردّفين » بضم الراء وكسر الدال مشدّدة . وقراءة رابعة بفتح الراء وتشديد الدال . وقرأ جعفر بن محمد ، وعاصم الجحدري «بآلاف » جمع ألف ، وهو الموافق لما تقدّم في آل عمران .

/خ10