التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

قوله تعالى : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين 9 وما جعله الله إلا بشرى ولنطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم } .

روي الإمام احمد في سبب نزول هذه الآية عن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قال : لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره ثم قال : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني . اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام ؛ فلا تعبد في الأرض أبدا ) قال : فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبه فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك ؛ فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين } فلما كان يومئذ التقوا فهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا ، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا فقال أبو بكر : يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما ترى يا بان الخطاب ) قال : قلت : والله ما أرى ما أرى أبو بكر . ولكني أرى أن تمكنني من فلان –قريب لعمر- فأضرب عنقه ؛ حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم . فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت ، وأخذ منهم الفداء . فلما كان من الغد ، قال عمر : فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان ، فقلت : ما يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة ) لشجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم . وأنزل الله عز وجل : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ؛ فقت منهم سبعون وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهمشت البيضة{[1624]} على رأسه وسال الدم على وجهه . وعن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : ( اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد ) فاخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك فخرج وهو يقول ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) رواه النسائي عن عبد المجيد الثقفي{[1625]} .

وقوله : { إذ تستغيثون } بدل من ( إذ ) في قوله : إذ يعدكم{[1626]} ؛ أي يستجيرون بربكم من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر { فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين } ومردفين ، في موضع جر صفة لألف . وقيل : حال من ضمير ممدكم ؛ أي استجاب الله لاستغاثتكم ودعائكم فأمدكم بألف من الملائكة متتابعين ؛ أي فرقة بعد فرقة فيردف بعضهم بعضا ويتلو بعضهم بعضا .


[1624]:البيضة: الخوذة. وبيضة القوم: حوزتهم وحماهم. وبيضة الدار: وسطها. انظر المعجم الوسيط جـ 1 ص 79.
[1625]:تفسير ابن كثير جـ 2ص 289.
[1626]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 348.