الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

و{ تَسْتَغِيثُونَ } [ الأنفال : 9 ] معناه : تَطْلُبُونَ الغَوْثَ ، و{ مُمِدُّكُم } أي : مكثركم ، ومقويكم من : أَمْدَدْتُ ، و{ مُرْدِفِينَ } معناه : متبعين ،

وقرأ سائر السبعة غير نافع : «مردفين » بكسر الدال ، ونافع بفتحها ، وروي عن ابن عَبَّاسٍ : خَلْفَ كل مَلَكٍ مَلَكٌ ، وهذا معنى التتابع ، يقال : رَدِفَ وأَرْدَفَ ؛ إِذا اتبع ، وجاء بعد الشَّيْءِ ، ويحتمل أن يُرَادُ مُرْدِفِينَ للمؤمنين ، ويحتمل أن يُرَادَ مردفين بعضهم بَعْضَاً ، وأنشد الطبري شَاهِداً على أن أرْدَفَ بمعنى جاء تَابِعاً قَوْلَ الشاعر : [ الوافر ]

إِذَا الجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا *** ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا

والثرَيَّا تطلع قبل الجَوْزَاءِ***

وروي في «الصحيح » الأشهر أن المَلاَئِكَةَ قاتلت يَوْمَ بَدْرٍ ،

واختلف في غيره ؛ قال ابن إسحاق : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بن أبي بكر ؛ أنه حُدِّثَ عن ابن عباس ، أنه قال : حدثني رَجُلٌ من بني غِفَارٍ ، قال : أقبلت أنا وابن عَمٍّ لي حتى صَعَدْنَا في جَبَل يُشْرِفُ بنا على بَدْرٍ ، ونحن مشركان ننتظر الوَقْعَةَ على من تكون ، فَنَنْتَهِبُ مع من يَنْتَهِبُ . قال : فبينما نحن في الجَبَلِ ، إذ دنت منا سَحَابَةٌ ، فسمعنا فيها حَمْحَمَةَ الخَيْلِ ، فسمعت قائلاً يقول : أقدمَ حَيْزُوْم ، فأما ابن عمي ، فانكشف قِنَاعُ قَلْبِهِ ، فمات مكانه ، وأما أنا فَكِدْتُ أَهْلَكُ ، ثم تَمَاسَكْتُ .

قال ابن إسحاق : وحدثني عَبْدُ اللَّه بن أبي بَكْرٍ عن بعض بني سَاعِدَةَ عن أبي سعيد مالك بن رَبِيعَةَ ، وكان شهد بَدْراً ، قال بعد أن ذهب بَصَرُهُ : لو كنت اليوم ببدر ، ومعي بَصَرِي لأريتكم الشِّعْبَ الذي خَرَجَتْ منه المَلاَئِكَةُ لا أَشَكُّ ولا أَتَمَارَى . انتهى من «سيرة ابن هِشَامٍ » .