فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

{ إذ تستغيثون ربكم } أي اذكروا وقت استغاثتكم ، تذكير لهم بنعمة أخرى والمقام للماضي ، وإنما عبر بالمضارع حكاية للحال الماضية أي إذ تستغيثون بربكم من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر ، والاستغاثة طلب الغوث يقال استغاثني فلان فأغثته والاسم الغيات .

والمعنى أن المسلمين لما علموا أنه لا بد من قتال الطائفة ذات الشوكة وهم النفير كما أمرهم الله بذلك وأراده منهم ، ورأوا كثرة عدد النفير وقلة عددهم استغاثوا بالله سبحانه ، وهو معنى قول الأزهري ، وقيل المستغيث هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحده ، وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيما له .

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب أن عدد المشركين يوم بدر ألف ، وعدد المسلمين ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى ذلك استقبل القبلة ثم مد يده فجعل يهتف بربه : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني الله آتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) ، فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل هذه الآية{[826]} .

{ فاستجاب لكم } عطف على { تستغيثون } داخل معه في التذكير وهو وإن كان مستقبلا فهو بمعنى الماضي ولهذا عطف عليه استجاب { أني } أي بأني { ممدكم } بوعدي إياكم بالإمداد وذلك لأنه وقت الإجابة لم يحصل الإمداد بالفعل لأن الدعاء واستجابته كانا قبل وقوع القتال .

{ بألف من الملائكة مردفين } قرئ بكسر الدال وفتحها وهما واضحتان لأنه يروى في التفسير أنه كان وراء كل ملك ملك رديفا له ، فقراءة الفتح تشعر بأن غيرهم أردفهم لركوبهم خلفهم وقراءة الكسر تشعر بأن الراكب خلف صاحبه قد أردفه فصح التعبير باسم الفاعل تارة واسم المفعول أخرى .

وجعل أبو البقاء مفعول مردفين بالكسر محذوفا أي مردفين أمثالهم ، ويجوز أن يكون معنى الإرداف المجيء بعد الأوائل أي جعلوا ردفا للأوائل ، قاله السمين .

وقد قيل أن ردف وأردف بمعنى واحد ، وأنكره أبو عبيدة قال لقوله تعالى : { تتبعها الرادفة } ولم يقل المردفة ، قال ابن عباس : مردفين متتابعين ، وعنه قال : المدد ، وعنه قال : وراء كل ملك ملك ، وعن الشعبي قال : كان ألف مردفين وثلاثة آلاف منزلين وكانوا أربعة آلاف وهم مدد المسلمين في ثغورهم .

وقال مجاهد : مردفين مجدين ، وقال قتادة : متتابعين أمدهم الله بألف ثم بثلاثة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيها أبو بكر ، ونزل ميكائيل في خمسمائة من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا في الميسرة .

وعن مجاهد قال : ما أمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكر الله في الأنفال ، وما ذكر الثلاثة الآلاف والخمسة الآلاف إلا بشرى ، قال في الجمل : لم يثبت أن الملائكة قاتلت في وقعة إلا في بدر ، وأما في غيرها فكانت تتنزل لتكثير عدد المسلمين ولا تقاتل كما وقع في حنين .


[826]:- مسلم / 1763.