غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ} (9)

1

وقوله { إذ تستغيثون } بدل من قوله { وإذ يعدكم } وقيل : يتعلق بقوله { ليحق الحق } واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله يقولون : يا غياث المستغيثين أغثنا . وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه ثلثمائة ، فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، فما زال كذلك حتى سقط رداؤه ، فأخذه أبو بكر فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال : يا نبي الله كفاك منا شدّتك بالدعاء ربك فإنه سينجز لك ما وعدك . ويروى أنه لما اصطف القوم قال أبو جهل : اللهم أولانا بالحق فانصره . ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بالدعاء المذكور . ومعنى تستغيثون تطلبون الإغاثة ، يقول الواقع في بلية أغثني أي فرج عني { فاستجاب لكم } ، { أني } أي بأني { ممدكم بألف من الملائكة مردفين } بكسر الدال وفتحها من أردفته إياه إذا أتبعته متعدياً إلى مفعولين ، أو من ردفته إذا أتبعته أي جئت بعده متعدياً إلى مفعول واحد . ومعنى الأوّل جاعلين بعضهم أو مجعولين بعضهم تابعاً لبعض أو أنفسهم تابعين للمؤمنين يحرسونهم أو لملائكة أخرى . ومعنى الثاني تابعين بعضهم للبعض أو للمؤمنين يقدمونهم على ساقتهم يحفظونهم أو لغيرهم من الملائكة . واختلف في قتال الملائكة يوم بدر فقيل : نزل جبرائيل في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر ، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها علي بن أبي طالب في صور الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قد أرخوا أذنابها بين أكتافهم فقاتلت ، وقيل : قاتلت يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ويوم حنين . وعن أبي جهل أنه قال لابن مسعود : من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمع ولا نرى شخصاً ؟ قال : من الملائكة . فقال أبو جهل : هم غلبونا لا أنتم . وروي أن رجلاً من المسلمين بينا هو يشتد في أثر رجل من المشركين إذ سمع صوت ضربة بالسوط فوقه فنظر إلى المشرك قد خر مستلقياً وشق وجهه ، فحدث الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : «صدقت ذاك من مدد السماء » وعن أبي داود المازني قال : تبعت رجلاً من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه سيفي . قيل : لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين وإلا فملك واحد كافٍ في إهلاك أهل الدنيا ، وقد أجبنا عن هذه الشبهة في تفسير سورة آل عمران وكذا في تفسير قوله .

/خ10