تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

{ 46 ْ } { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ْ }

أي : لا تحزن أيها الرسول على هؤلاء المكذبين ، ولا تستعجل لهم ، فإنهم لا بد أن يصيبهم الذي نعدهم من العذاب .

إما في الدنيا فتراه بعينك ، وتقر به نفسك .

وإما في الآخرة بعد الوفاة ، فإن مرجعهم إلى الله ، وسينبئهم بما كانوا يعملون ، أحصاه ونسوه ، والله على كل شيء شهيد ، ففيه الوعيد الشديد لهم ، والتسلية للرسول الذي كذبه قومه وعاندوه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

وقوله : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } تأكيد لخسرانهم ، ولوقوع العذاب بهم ، وتسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم و " إن " شرطية . و " ما " مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، وجملة { فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } جواب للشرط وما عطف عليه .

والمعنى : إن هؤلاء المشركين الذين ناصبوك العداوة أيها الرسول الكريم لا يخفى علينا أمرهم ونحن إما نرينك ببصرك بعض الذي نعدهم به من العذاب الدنيوي ، وإما نتوفينك ، قبل ذلك ، وفى كلتا الحالتين فإن مرجعهم إلينا وحدنا في الآخرة ، فنعاقبهم العقوبة التي يستحقونها .

وقال - سبحانه - { بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ } للإِشارة إلى أن ما سينزل بهم من عذاب دنيوي ، هو جزء من العذاب المدخر لهم في الآخرة .

وقد أنجز الله - تعالى - وعده لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فسلط عليهم القحط والمجاعة ، حتى كانوا لشدة جوعهم يرون كأن بينهم وبين السماء دخانا . ونصر المسلمين عليهم في غزوتي بدر والفتح ، وكل ذلك حدث في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم .

وقال - سبحانه - { بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ } ولم يقل بعض الذي وعدناهم ، لاستحضار صورة العذاب ، والدلالة على تجدده واستمراره .

أى : نعدهم وعدا متجددا على حسب ما تقتضيه حكمتا ومشيئتنا ، من إنذار عقب إنذار ، ومن وعيد بعد وعيد .

والمراد من الشهادة في قول { ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ } لازمها وهو المعاقبة والمجازاة ، فكأنه - سبحانه - يقول : ثم الله - تعالى - بعد ذلك معاقب لهم على ما فعلوه من سيئات ، وما يرتكبونه من منكرات .

قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : الله شهيد على ما يفعلون في الدارين فما معنى ثم ؟

قلت : ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب ، فكأنه قال : ثم الله معاقبهم على ما يفعلون . ويجوز أن يراد الله أن الله مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم فتكون شاهدة عليهم " .

هذا ، وفى معنى هذه الآية وردت آيات أخرى منها قوله - تعالى - : { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب }

وقوله - تعالى - { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

26

ومن هذا المشهد الخاطف ليوم الحشر ، وما سبقه من أيام الحياة في الأرض إلى حديث مع الرسول - [ ص ] - في شأن وعيد الله للمكذبين ؛ ذلك الوعيد الغامض ، لا يدرون إن كان سيعاجلهم غداً ، أم إنهم سينظرون إلى يوم الدين ، ليبقى مصلتاً فوق رؤوسهم لعلهم يتقون ويهتدون . . وشيئاً فشيئاً تنتهي الجولة التي بدأت بالحديث عن الوعيد إلى نهايتها يوم لا ينفع الفداء ولو كان ما في الأرض كله ، ويوم يقضي الله بالقسط لا يظلم أحداً . . وذلك على طريقة القرآن في وصل الدنيا بالآخرة ، في كلمات ولحظات ، في تصوير حي يلمس القلوب ، ويصور في الوقت ذاته حقيقة الاتصال بين الدارين والحياتين كما هما في الواقع ، وكما ينبغي أن يكونا في التصور الإسلامي الصحيح :

( وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ، ثم الله شهيد على ما يفعلون . ولكل أمة رسول ، فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون . ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? قل : لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله ، لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون . قل أرأيتم : إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون . أثم إذا ما وقع آمنتم به ? آلآن وقد كنتم به تستعجلون ? ثم قيل للذين ظلموا : ذوقوا عذاب الخلد ، هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون . ويستنبئونك أحق هو ? قل : إي وربي إنه لحق ، وما أنتم بمعجزين . ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به ، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ، وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) .

تبدأ هذه الجولة بتقرير أن مرجع القوم إلى الله ، سواء وقع بعض الوعيد الذي كلف الرسول [ ص ] أن يبلغه لهم ، في حياته أو بعد وفاته . فالمرجع إلى الله في الحالين . وهو شهيد على ما يفعلون في حضور الرسول بالحياة ، وفي غيبته بالوفاة . فلن يضيع شيء من أعمالهم ولن تعفيهم وفاة الرسول [ ص ] مما يوعدون .

( وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ، ثم الله شهيد على ما يفعلون ) فالأمور مدبرة سائرة حسب التدبير ، لا يخرم منها حرف ، ولا يتغير بالطوارئ والظروف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ} (46)

وقوله تعالى : { وإما نرينك } الآية ، { إما } شرط وجوابه { فإلينا } ، والرؤية في قوله { نرينك } رؤية بصر وقد عدي الفعل بالهمزة فلذلك تعدى إلى مفعولين أحدهما الكاف والآخر { بعض } ، والإشارة بقوله { بعض الذي } إلى عقوبة الله لهم نحو بدر وغيرها ، ومعنى هذا الوعيد بالرجوع إلى الله تعالى أي إن أريناك عقوبتهم أو لم نركها فهم على كل حال راجعون إلينا إلى الحساب والعذاب ثم مع ذلك فالله شهيد من أول تكليفهم على جميع أعمالهم ف { ثم } ها هنا لترتيب الإخبار لا لترتيب القصص في أنفسها{[6129]} ، وإما هي «إن » زيدت عليها «ما » ولأجلها جاز دخول النون الثقيلة ولو كانت إن وحدها لم يجز .


[6129]:- هذا إذا أريدت الشهادة على حقيقتها، أما إذا أريد لازمها وهو ما يترتب عليها من عقاب فإن (ثم) تكون لترتيب القصص في أنفسها، قاله في الشوكاني وأبي السعود.