تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (159)

{ 159 ، 160 } { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }

يتوعد تعالى الذين فرقوا دينهم ، أي : شتتوه وتفرقوا فيه ، وكلٌّ أخذ لنفسه نصيبا من الأسماء التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئا ، كاليهودية والنصرانية والمجوسية . أو لا يكمل بها إيمانه ، بأن يأخذ من الشريعة شيئا ويجعله دينه ، ويدع مثله ، أو ما هو أولى منه ، كما هو حال أهل الفرقة من أهل البدع والضلال والمفرقين للأُمة .

ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف ، وينهى عن التفرق والاختلاف في أهل الدين ، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية .

وأمره أن يتبرأ ممن فرقوا دينهم فقال : { لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } أي لست منهم وليسوا منك ، لأنهم خالفوك وعاندوك . { إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ } يردون إليه فيجازيهم بأعمالهم { ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (159)

ثم بين - سبحانه - أحوال الفرق الضالة بوجه عام فقال : { إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } .

أى : إن الذين فرقوا دينهم بأن اختلفوا فيه مع وحدته فى نفسه فجعلوه أهواء متفرقة ، ومذاهب متباينة : { وَكَانُواْ شِيَعاً } أى فرقاً ونحلا تتبع كل فرقة إماماً لها على حسب أهوائها ومتعها ومنافعها بدون نظر إلى الحق .

وقوله : { قُلِ انتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ } تهديد لهم . أى : قل يا محمد لهؤلاء الكافرين : انتظروا ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور الثلاثة لتروا أى شىء تنتظرون ، فإنا منتظرون معكم لنشاهد ما يحل بكم من سوء العاقبة .

ثم بين - سبحانه - أحوال الفرق الضالة بوجه عام فقال : { إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } .

أى : إن الذين فرقوا دينهم بأن اختلفوا فيه مع وحدته فى نفسه فجعلوه أهواء متفرقة ، ومذاهب متباينة : { وَكَانُواْ شِيَعاً } أى فرقاً ونحلا تتبع كل فرقة إماماً لها على حسب أهوائها ومتعها ومنافعها بدون نظر إلى الحق .

وقوله : { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } أى : أنت برىء منهم محمى الجناب عن مذاهبهم الباطلة ، وفرقهم الضالة . أو لست من هدايتهم إلى التوحيد فى شىء إذ هم قد انطمست قلوبهم فأصبحوا لا يستجيبون لمن يدعوهم إلى الهدى .

وقوله : { إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى الله } تعليل للنفى المذكور قبله أى : هو يتولى وحده أمرهم جميعاً ، ويدبره حسب ما تقتضيه حكمته ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون " .

وقوله : { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } أى : ثم يخبرهم يوم القيامة بما كانوا يفعلونه فى الدنيا من آثام وسيئات ، ويعاقبهم على ذلك بما يستحقونه من عقوبات .

والآية الكريمة عامة فى كل من فارق تعاليم الإسلام سواء أكان مشركاً أو كتابياً ، ويندرج فيها أصحاب الفرق الباطلة والمذاهب الفاسدة فى كل زمان ومكان ، كالقاديانية ، والباطنية ، والبهائية ، وغير ذلك من أصحاب الأهواء والبدع والضلالات .

قال ابن كثير : " والظاهر أن الآية عامة فى كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له ، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق .

فمن اختلف فيه { وَكَانُواْ شِيَعاً } أى : فرقا كأهل الأهواء والملل والنحر والضلالات ، فإن الله قد برأ رسوله منهم . وهذه الآية كقوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ }

الاية .

وفى الحديث : " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات . ديننا واحد " فهذا هو الصراط المستقيم ، وهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده والتمسك بشريعة الرسول المتأخر ، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء ، والرسل برآء منها كما قال - تعالى - { لست منهم فى شىء } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (159)

154

بعد ذلك يلتفت السياق إلى رسول الله [ ص ] ليفرده وحده بدينه وشريعته ومنهجه وطريقه عن كل الملل والنحل والشيع القائمة في الأرض - بما فيها ملة المشركين العرب - :

( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء . إنما أمرهم إلى الله ، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) . .

إنه مفرق الطريق بين الرسول [ ص ] ودينه وشريعته ومنهجه كله وبين سائر الملل والنحل . . سواء من المشركين الذين كانت تمزقهم أوهام الجاهلية وتقاليدها وعاداتها وثاراتها ، شيعاً وفرقاً وقبائل وعشائر وبطونا . أو من اليهود والنصارى ممن قسمتهم الخلافات المذهبية مللا ونحلا ومعسكرات ودولا . أو من غيرهم مما كان وما سيكون من مذاهب ونظريات وتصورات ومعتقدات وأوضاع وأنظمة إلى يوم الدين .

إن رسول الله [ ص ] ليس من هؤلاء كلهم في شيء . . إن دينه هو الإسلام وشريعته هي التي في كتاب الله ؛ ومنهجه هو منهجه المستقل المتفرد المتميز . . وما يمكن أن يختلط هذا الدين بغيره من المعتقدات والتصورات ؛ ولا أن تختلط شريعته ونظامه بغيره من المذاهب والأوضاع والنظريات . . وما يمكن أن يكون هناك وصفان اثنان لأي شريعة أو أي وضع أو أي نظام . . إسلامي . . وشيء آخر . . ! ! ! إن الإسلام إسلام فحسب . والشريعة الإسلامية شريعة إسلامية فحسب . والنظام الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي الإسلامي إسلامي فحسب . . ورسول الله [ ص ] ليس في شيء على الإطلاق من هذا كله إلى آخر الزمان !

إن الوقفة الأولى للمسلم أمام أية عقيدة ليست هي الإسلام هي وقفة المفارقة والرفض منذ اللحظة الأولى . وكذلك وقفته أمام أي شرع أو نظام أو وضع ليست الحاكمية فيه لله وحده - وبالتعبير الآخر : ليست الألوهية والربوبية فيه لله وحده - إنها وقفة الرفض والتبرؤ منذ اللحظة الأولى . . قبل الدخول في أية محاولة للبحث عن مشابهات أو مخالفات بين شيء من هذا كله وبين ما في الإسلام !

إن الدين عند الله الإسلام . . ورسول الله [ ص ] ليس في شيء ممن فرقوا الدين فلم يلتقوا فيه على الإسلام .

وإن الدين عند الله هو المنهج والشرع . . ورسول الله [ ص ] ليس في شيء ممن يتخذون غير منهج الله منهجاً ، وغير شريعة الله شرعا . .

الأمر هكذا جملة . وللنظرة الأولى . بدون دخول في التفصيلات !

وأمر هؤلاء الذين فرقوا دينهم شيعا ، وبرئ منهم رسول الله [ ص ] بحكم من الله تعالى . . أمرهم بعد ذلك إلى الله ؛ وهو محاسبهم على ما كانوا يفعلون :

( إنما أمرهم إلى الله ، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (159)

قال ابن عباس والصحابة وقتادة : المراد اليهود والنصارى أي فرقوا دين إبراهيم الحنيفية ، وأضيف الدين إليهم من حيث كان ينبغي أن يلتزموه ، إذ هو دين الله الذي ألزمه العباد ، فهو دين جميع الناس بهذا الوجه ووصفهم «بالشيع » إذ كل طائفة منهم لها فرق واختلافات ، ففي الآية حض لأمة محمد على الائتلاف وقلة الاختلاف ، وقال أبو الأحوص{[5170]} وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : الآية في أهل البدع والأهواء والفتن ومن جرى مجراهم من أمة محمد ، أي فرقوا دين الإسلام ، وقرأ علي بن أبي طالب وحمزة والكسائي «فارقوا » ومعناه تركوا ، ثم بيّن قوله { وكانوا شيعاً } أنهم فرقوه أيضاً ، والشيع جمع شيعة وهي الفرقة على مقصد ما يتشايعون عليه ، وقوله { لست منهم في شيء } أي لا تشفع لهم ولا لهم بك تعلق ، وهذا على الإطلاق في الكفار وعلى جهة المبالغة في العصاة والمتنطعين في الشرع ، لأنهم لهم حظ من تفريق الدين ، وقوله { إنما أمرهم إلى الله } إلى آخر الآية وعيد محض ، والقرينة المتقدمة تقتضي أن أمرهم إلى الله فيه وعيد ، كما أن القرينة في قوله { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله }{[5171]} تعطي أن في ذلك الأمر رجاء كأنه قال وأمره في إقبال وإلى خير ، وقرأ النخعي والأعمش وأبو صالح «فرَقوا » بتخفيف الراء وقال السدي هذه آية لم يؤمر فيها بقتال وهي منسوخة بالقتال .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كلام غير متقن فإن الآية خبر لا يدخله نسخ ولكنها تضمنت بالمعنى أمراً بموادعة فيشبه أن يقال إن النسخ وقع في ذلك المعنى الذي تقرر في آيات أخر .


[5170]:- الأحوص بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي الأنصاري أخو حويصة ومحيّصة، ذكره العدوي في أنساب الأنصار، وقال: شهد أحدا وما بعدها، استدركه =ابن فتحون. وهناك الأحوص بن عبد بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف. مختلف في صحبته. والأقرب إلى الصواب أن المراد هو الأول. (الإصابة).
[5171]:- من الآية (275) من سورة (البقرة).