{ 30 } { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }
أي : { وَلَوْ تَرَى } الكافرين { إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ } لرأيت أمرا عظيما ، وهَوْلًا جسيما ، { قَالَ } لهم موبخا ومقرعا : { أَلَيْسَ هَذَا } الذي ترون من العذاب { بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا } فأقروا ، واعترفوا حيث لا ينفعهم ذلك ، { قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }
ثم بين - سبحانه - حالهم عندما يقفون ليستمعوا إلى ما يوجهه إليهم ربهم من توبيخ وتقريع بسبب كفرهم فقال :
{ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هذا بالحق } .
أى : قال لهم - سبحانه - أليس هذا البعث الذى تشاهدونه بأعينكم ثابتاً بالحق ؟ وهنا يجيبون خالقهم مصدقين لأن الواقع يحتم عليهم ذلك فيقولون - كما حكى القرآن عنهم - { بلى وَرَبِّنَا } أى : قالوا : بلى يا ربنا إنه للحق الذى لا شك فيه ، ولا باطل يحوم من حوله ، وأكدوا اعترافهم بالقسم شاهدين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين فى الدنيا .
وهنا يحكم الله فيهم بحكمه العادل فيقول : { قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } أى : إذا كان الأمر كما ذكرتم وشهدتم على أنفسكم ، فانغمسوا فى العذاب ذائقين لآلامه وأهواله بسبب كفركم بآيات الله ، وإنكاركم لهذا اليوم العصيب .
والذوق هنا كناية عن الإحساس الشديد بالعذاب بعد أن وقعوا فيه .
ولهذا كان ذلك التوكيد على حقيقة الآخرة . . أولا لأنها حقيقة . والله يقص الحق . وثانيا لأن اليقين بها ضرورة لاستكمال إنسانية الإنسان : تصورا واعتقادا ، وخلقا وسلوكا ، وشريعة ونظاما .
ومن ثم كانت هذه الإيقاعات العنيفة العميقة التي نراها في هذه الموجة من نهر السورة المتدفق . . الإيقاعات التي يعلم الله أن فطرة الإنسان تهتز لها وترجف ؛ فتفتح نوافذها ، وتستيقظ أجهزة الاستقبال فيها ، وتتحرك وتحيا ، وتتأهب للتلقي والاستجابة . . ذلك كله فضلا على أنها تمثل الحقيقة :
( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم . قال : أليس هذا بالحق ؟ قالوا : بلى وربنا . قال : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) . .
هذا مصير الذين قالوا : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ) . . وهذا هو مشهدهم البائس المخزي المهين ؛ وهم موقوفون في حضرة ربهم الذي كذبوا بلقائه ، لا يبرحون الموقف . وكأنما أخذ بأعناقهم حتى وقفوا في هذا المشهد الجليل الرهيب :
( قال : أليس هذا بالحق ؟ ) . .
وهو سؤال يخزي ويذيب ! ( قالوا : بلى وربنا ) . .
الآن . وهم موقوفون على ربهم . في الموقف الذي نفوا على سبيل التوكيد أن يكون ! وفي اختصار يناسب جلال الموقف ، ورهبة المشهد ، وهول المصير ، يجيء الأمر العلوي بالقضاء الأخير : قال : ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) . .
وهو مصير يتفق مع الخلائق التي أبت على نفسها سعة التصور الإنساني وآثرت عليه جحر التصور الحسي ! والتي أبت أن ترتفع إلى الأفق الإنساني الكريم ، وأخلدت إلى الأرض ، وأقامت حياتها وعاشت على أساس ذلك التصور الهابط الهزيل ! لقد ارتكست هذه الخلائق حتى أهلت نفسها لهذا العذاب ؛ الذي يناسب طبائع الكافرين بالآخرة ؛ الذين عاشوا ذلك المستوى الهابط من الحياة ! بذلك التصور الهابط الهزيل !
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ( 30 )
وقوله تعالى : { ولو ترى إذ وقفوا } الآية ، بمعنى ولو ترى إذ وقفوا كما تقدم آنفاً من حذف جواب { لو } وقوله : { على ربهم } معناه على حكمه وأمره ، ففي الكلام ولا بد حذف مضاف{[4884]} ، وقوله : { هذا } إشارة إلى البعث الذي كذبوا به في الدنيا ، و { بلى } هي التي تقتضي الإقرار بما استفهم عنه منفياً ولا تقتضي نفيه وجحده ، ونعم تصلح للإقرار به ، كما ورد ذلك في قول الأنصار للنبي عليه السلام حين عاتبهم في الحظيرة عقب غزوة حنين{[4885]} وتصلح أيضاً نعم لجحده ، فلذلك لا تستعمل{[4886]} وأما قول الزجاج وغيره : إنها إنما تقتضي جحده وأنهم لو قالوا نعم عند قوله : { ألست بربكم } لكفروا فقول خطأ والله المستعان ، وقولهم : بلى وربك إيمان ، ولكنه حين لا ينفع ، وقوله : { ذوقوا } استعارة بليغة ، والمعنى باشروه مباشرة الذائق إذ هي من أشد المباشرات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.