الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (30)

قوله تعالى : { عَلَى رَبِّهِمْ } : فيه وجهان ، أحدهما : أنه من باب الحذف ، تقديره : على سؤال ربهم أو ملك ربهم أو جزاء ربهم . والثاني : أنه من باب المجاز ؛ لأنه كنايةٌ عن الحَبْسِ للتوبيخ ، كما يوقَفُ العبدُ بين يدي سيِّده ليعاتبَه ، ذكر ذلك الزمخشري ، ورجَّح المجاز على الحذف لأنه بدأ بالمجاز ، ثم قال : " وقيل [ وقُفوا ] على جزاء ربهم " . وللناس خلافٌ في ترجيح أحدهما على الآخر . وجملة القول فيه أن فيه ثلاثةَ مذاهب ، أشهرُها : ترجيحُ المجاز على الإِضمار ، والثاني عكسُه ، والثالث : هما سواء .

قوله : { قَالَ أَلَيْسَ } في هذه الجملة وجهان ، أحدهما : أنها استفهاميةٌ أي : جواب سؤال مقدر ، قال الزمشخري : " قال " مردودٌ على قولِ قائلٍ قال : ماذا قال لهم ربُّهم إذا وُقِفوا عليه ؟ فقيل : قال لهم : أليس هذا بالحق " . والثاني : أن تكون الجملة حالية ، وصاحبُ الحال " ربُّهم " كأنه قيل : وُقِفوا عليه قائلاً : أليس هذا بالحق . والمشارُ إليه قيل : هو ما كانوا يكذِّبون به من البعث . وقيل : هو العذاب يدلُّ عليه { فَذُوقُواْ العَذَابَ } .

وقوله : { بِمَا كُنتُمْ } يجوز أن تكونَ " ما " موصولةً اسميةً والتقدير : تكفرونه ، والأصل : تكفرون به ، فاتصل الضمير بالفعل بعد حذف الواسطةِ ، ولا جائزٌ أن يُحْذَف وهو مجرور بحاله ، وإن كان مجروراً بحرفٍ جُرَّ بمثله الموصولُ لاختلاف المتعلَّق ، وقد تقدَّم إيضاحُه غيرَ مرة . والأَوْلَى أن تُجْعَلَ " ما " مصدرية ويكون متعلَّق الكفر محذوفاً ، والتقدير : بما كنتم تكفرون بالعبث أو بالعذاب أي بملاقاته أي بكفركم بذلك .