نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (30)

{ وقوله :

ولو ترى } متصل بذلك ، أي قالوا هذا القول لما أخبرتهم بالبعث ، فساءك ذلك من قولهم والحال أنك لو رأيت اعترافهم به إذا سألهم خالقهم لسرك ذلك من ذلهم وما يؤول إليه أمرهم ، وعبر بالمضارع تصويراً{[29279]} لحالهم ذلك ، وقولُه : { إذ وقفوا{[29280]} على ربهم{[29281]} } مجازاً{[29282]} عن الحبس{[29283]} في مقام من مقامات الجلال بما اقتضاه إضافة الرب إليهم ، أي الذي طال إحسانه إليهم{[29284]} وحلمه عنهم ، فأظهر لهم ما أظهر في ذلك المقام من{[29285]} تبكيتهم وتوبيخهم وتقريعهم ، وأطلعهم بما{[29286]} يقتضيه أداة الاستعلاء - على ما له سبحانه من صفات العظمة من الكبرياء والانتقام من{[29287]} التربية إذ{[29288]} لم يشكروا إحسانه في تربيتهم ، وسياق الآية يقتضي أن يكون الجواب : لرأيتهم قد منعتهم الهيبة وعدم الناصر وشدة الوجل من الكلام ، فكأن سائلاً قال : المقام يرشد إلى ذلك حتى كأنه مشاهد فهل يكلمهم الله لما يشعر{[29289]} به التعبير بوصف الربوبية ؛ قيل : نعم ، لكن كلام إنكار وإخزاء وإذلال { قال أليس هذا } أي الذي أتاكم به رسولي من أمر البعث وغيره مما ترونه الآن من دلائل كبريائي { بالحق } أي الأمر الثابت الكامل في الحقية{[29290]} الذي لا خيال فيه ولا سحر { قالوا } أي حين إيقافهم عليه ، فكان ما أراد : { بلى } ، وزادوا على ما أمروا به في الدنيا القسم فقالوا{[29291]} : { وربنا } أي الذي أحسن إلينا بأنواع الإحسان ، وكأن كلامهم هذا منزل على حالات تنكشف لهم فيها أمور بعد أخرى ، كل أمر أهول مما قبله ، ويوم القيامة - كما قال ابن عباس رضي الله عنهما - ذو{[29292]} ألوان{[29293]} : تارة لا يكلمهم{[29294]} الله ، وتارة يكلمهم{[29295]} فيكذبون ، وتارة يسألهم عن شيء فينكرون ، فتشهد جوارحهم ، وتارة يصدقون كهذا{[29296]} الموقف ويحلفون على الصدق .

ولما أقروا{[29297]} قهراً بعد كشف الغطاء وفوات الإيمان بالغيب{[29298]} بما كانوا به يكذبون ، تسبب عنه إهانتهم ، فلذا قال مستأنفاً : { قال } أي الله مسبباً عن اعترافهم حيث لا ينفع ، وتركهم في الدنيا حيث كان ينفع { فذوقوا العذاب } أي الذي كنتم به توعدون { بما كنتم تكفرون } أي بسبب دوامكم على ستر ما دلتكم عليه عقولكم من صدق رسولكم ، ولا شك أن الكلام -{[29299]} وإن{[29300]} كان على هذه الصورة - فيه نوع إحسان ، لأنه أهون من التعذيب مع الإعراض في مقام{ اخسؤوا فيها ولا تكلمون{[29301]} }[ المؤمنون : 108 ] ولذلك{[29302]} كان ذلك{[29303]} آخر المقامات .


[29279]:من ظ، وفي الأصل:تصورا.
[29280]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29281]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29282]:من ظ، وفي الأصل: مجاز.
[29283]:في ظ: الجنس.
[29284]:من ظ، وفي الأصل: عليهم.
[29285]:في ظ: عن.
[29286]:في ظ: مما.
[29287]:في ظ: في.
[29288]:في ظ: إذا.
[29289]:من ظ،وفي الأصل: يسعر.
[29290]:في ظ: الحقيقة.
[29291]:في ظ: الأول- كذا.
[29292]:من ظ، وفي الأصل: دل- كذا.
[29293]:في ظ: الراد- كذا.
[29294]:في ظ: فلا يكلمهم.
[29295]:زيد في ظ: الله.
[29296]:في ظ: لهذا.
[29297]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29298]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29299]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29300]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29301]:سورة 23 آية 108.
[29302]:في ظ: لذا.
[29303]:زيد من ظ.