اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (30)

قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ } الآية الكريمة [ الآية : 30 ] تَمَسَّكَ بعضُ المُشَبِّهَةِ بهذه الآية ، وقال : ظاهرها يَدُلُّ على أن أهل القيامة يَقِفون عند الله -تبارك وتعالى- بالقُرْبِ منه ، وذلك يَدُلُّ على أنَّهُ تبارك وتعالى [ بحيث يحضر في مكان تارة ، ويغيب عنه أخرى ، وهذا خطاب ؛ لأن ظاهر الآية يدل على أن الله تعالى ]{[13637]} يوقفُ عليه ، كما يقف أحدنا على الأرْضِ ، وذلك كونه مُسْتَعْلياً على ذات الله تعالى ، وأنه بَاطِلٌ بالاتِّفاق ، فوجب تأويله ، وهو من وجهين{[13638]} :

الأول : أنه من باب الحَذْفِ ، تقديره : على سؤال رَبَّهِمْ أو ملك ربهم ، أو جزاء ربهم ، أو على ما أخبرهم به من أمر الآخرة .

الثاني : أنه من باب المَجَازِ ؛ لأنه كنايةٌ عن الحَبْسِ للتوبيخ ، كما يوقفُ العَبْدُ بين يَدَيْ سَيِّدِهِ ليُعَاتِبَهُ ، ذكر ذلك الزمخشري{[13639]} ، أو يكون المراد بالوقوف المَعْرِفَةَ ، كما يقول الرجل لغيره : " وَقَفْتُ على كلامك " أي : عرفته ، ورجَّح الزمخشري المَجَازَ على الحَذْفِ ؛لأنه بدأ بالمجاز ، ثم قال : وقيل وقفوا على جزاء ربهم{[13640]} وللناس خلافٌ في ترجيح أحدهما على الآخر وفيه ثلاثة مذاهب :

أشهرها : ترجيح المجاز على الإضمار .

والثاني : عكسه .

والثالث : هاهنا سواء .

قوله : " قال : ألَيْسَ " في هذه الجملة وجهان :

أحدهما : أنها اسْتِفْهَاميةٌ أي : جواب سؤال مُقَدَّر ، قال الزمخشري{[13641]} : " قال " مَرْدُودٌ على قولِ قائلٍ .

قال : ماذا{[13642]} قال لهم ربُّهُمْ إذْ أوقفُوا عليه ؟ فقيل : قال لهم : أليس هذا بالحقِّ .

والثاني : أن تكون الجملة حَالِيَّةً ، وصاحب الحال " ربُّهم " كأنه قيل : وُقِفوا عليه قَائِلاً : أليس هذا بالحقِّ ؟ والمُشَارُ إليه قيل : هو ما كانوا يكذِّبون به من البَعْثِ .

وقيل : هو العَذَابُ يَدُلُّ عليه " فذوقوا العذاب " .

وقوله : " بما كنتم " يجوز أن تكون " ما " مَوْصُولةً اسميةً ، والتقدير : تَكْفُرُونَهُ ، والأصل : تكفرون به ، فاتَّصَلَ الضمير بالفعل بعد حذف الواسطة ، ولا جائز أن يُحذف ، وهو مجرورٌ بحاله ، وإن كان مجروراً بحرف جُرَّ بمثله الموصول لاختلافِ المتعلَّق ، وقد تقدَّم إيضاحه{[13643]} .

والأوْلى أن تُجْعَلَ " ما " مصدريَّةً ، ويكون متعلَّق الكُفْرِ محذوفاً ، والتقدير : بما كنتم تكفرون بالبَعْثِ ، أو بالعذاب ، أي : بملاقاته ، أي : بكفرهم بذلك .

فإن قيل : قد قال تبارك وتعالى : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ } [ آل عمران : 77 ] ، وها هنا قد قال [ لهم ]{[13644]} : " أليس هذا بالحقِّ " ؟ فما وَجْهُ الجمع ؟ .

فالجواب : لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع .

قال ابن عباس : هذا في موقف ، وقولهم : { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } في موقف آخر ، والقيامةُ مواقف ، ففي موقف يُقِرُّونَ ، وفي موقف ينكرون .

قوله : { فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } خَصَّ لفظ الذَّوْقِ ، لأنهم في كل حال يجدونه وجدانَ الذَّائقِ .


[13637]:سقط في أ.
[13638]:ينظر: الرازي 12/160.
[13639]:ينظر: الكشاف 2/16.
[13640]:في أ: من حرارتهم.
[13641]:ينظر: الكشاف 2/16.
[13642]:في ب: إذا.
[13643]:في ب: أيضا.
[13644]:سقط في ب.