إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (30)

{ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُوا على رَبّهِمْ } الكلام فيه كالذي مر في نظيره ، خلا أن الوقوفَ هاهنا مجازٌ عن الجنس للتوبيخ والسؤال كما يوقَفُ العبدُ الجاني بين يدَيْ سيده للعقاب وقيل : عرَفوا ربَّهم حقَّ التعريف ، وقيل : وُقفوا على جزاءِ ربهم ، وقولُه تعالى : { قَالَ } استئناف مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام السابق كأنه قيل : فماذا قال لهم ربهم إذ ذاك ؟ فقيل : قال : { أَلَيْسَ هذا } مشيراً إلى ما شاهدوه من البعث وما يتبعه من الأمور العظام { بالحق } تقريعاً لهم على تكذيبهم لذلك وقولِهم عند سماعِ ما يتعلق به ما هو بحقٍّ وما هو إلا باطلٌ { قَالُوا } استئناف كما سبق { بلى وَرَبّنَا } أكّدوا اعترافهم باليمين إظهاراً لكمال يقينهم بحقِّيته وإيذاناً بصدور ذلك عنهم بالرغبة والنشاط طمعاً في نفعه . { قَالَ } استئناف كما مر { فَذُوقُوا العذاب } الذي عاينتموه ، والفاءُ لترتيب التعذيب على اعترافهم بحقية ما كفروا به في الدنيا لكن لا على أن مدارَ التعذيب هو اعترافُهم بذلك بل هو كفرُهم السابقُ بما اعترفوا بحقيته الآن كما نطق به قوله عز وجل : { بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أي بسبب كفركم في الدنيا بذلك أو بكل ما يجب الإيمانُ به فيدخل كفرُهم به دخولاً أولياً ، ولعل هذا التوبيخَ والتقريع إنما يقع بعد ما وُقفوا على النار فقالوا ما قالوا إذِ الظاهرُ أنه لا يبقى بعد هذا الأمر إلا العذاب .