ثم صرح - سبحانه - بلعنهم فى الدارين فقال : { وَأُتْبِعُواْ فِي هذه لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة } . .
أى : إن اللعنة والفضيحة لحقت بهم ، واتبعتهم فى الدنيا وفى الأخرى ، كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين } وجملة { بِئْسَ الرفد المرفود } مستأنفة لإِنشاء ذم اللعنة ، والمخصوص بالذم محذوف دل عليه ذكر اللعنة ، أى بئس الرفد هى .
الرفد العطاء والعون يقال رفد فلان فلانا يرفده رفدا أى أعطاه وأعانه على قضاء مصالحه ، أى : بئس العطاء المعطى لهم تلك اللعنة المضاعفة التى لابستهم فى الدنيا والآخرة .
وسميت اللعنة رفدا على سبيل التهكم بهم ، كما فى قول القائل : تحية بينهم ضرب وجيع . فكأنه - سبحانه - يقول : هذه اللعنة هى العطاء المعى من فرعون لأتباعه الذين كانوا من خلفه كقطيع الأغنام الذى يسير خلف قائده بدون تفكر أو تدبر . . .
وإلى هنا تكون هذه السورة الكريمة قد حدثتنا عن قصة نوح مع قومه ، وعن قصة هود مع قومه ، وعن قصة صالح مع قومه ، وعن قصة إبراهيم مع الملائكة ، وعن قصة لوط مع قومه ومع الملائكة ، وعن قصة شعيب مع قومه ، وعن قصة موسى مع فرعون وملئه .
ويلاحظ أن السورة الكريمة قد ساقت لنا تلك القصص حسب ترتيبها التاريخى والزمنى ، لأهداف من أهمها :
1 - إبراز وحدة العقيدة فى دعوة الأنبياء جميعا ، فكل نبى قد قال لقومه : اعبدوا اله مالكم من إله غيره . . . ثم يسوق لهم الأدلة على صدقه فيما بلغه عن ربه .
2 - إبراز أن الناس فى كل زمان ومكان فيهم الأخيار الذين يتبعون الرسل ، وفيهم الأشرار الذين يحاربون الحق . . .
3 - بيان العاقبة الحسنة التى انتهى إليها المؤمنون بسبب إيمانهم وصدقهم وعملهم الصالح . . . والعاقبة السيئة التى انتهى إليها الكافرون بسبب كفرهم وإعراضهم عن الحق . . .
قال - تعالى - { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
وقوله : { وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } أي : أتبعناهم زيادة على ما جازيناهم من عذاب النار لعنة في هذه الحياة الدنيا ، { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } .
قال مجاهد : زيدوا لعنة يوم القيامة ، فتلك لعنتان .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } قال : لعنة الدنيا والآخرة ، وكذا قال الضحاك ، وقتادة ، وهكذا قوله{[14899]} تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } [ القصص : 41 ، 42 ] ، وقال تعالى : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] .
وقوله : { في هذه } يريد دار الدنيا ، و «اللعنة » إبعادهم بالغرق والاستئصال وقبيح الذكر غابر الدهر ، وقوله : { ويوم القيامة } أي يلعنون أيضاً بدخولهم في جهنم ، قال مجاهد : فلهم لعنتان ، وذهب قوم إلى أن التقسيم هو أن لهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة بئس ما يرفدون به فهي لعنة واحدة أولاً ، وقبح إرفاد آخراً{[6498]} ، وقوله : { بئس الرفد المرفود } أي بئس العطاء المعطى لهم ، و { الرفد } في كلام العرب : العطية وسمي العذاب هنا رفداً لأن هذا هو الذي حل محل الرفد ، وهذا كما تقول : يا فلان لم يكن خيرك إلا أن تضربني أي لم يكن الذي حل محل الخير منك ، والإرفاد : المعونة . ومنه رفادة قريش : معونتهم لفقراء الحج بالطعام الذي كانوا يطعمونه في الموسم{[6499]} .
واللعنة : هي لعنة العذاب في الدّنيا وفي الآخرة .
و { يوم القيامة } متعلق ب { أتبعوا } ، فعلم أنّهم أتبعوا لعنة يوم القيامة ، لأنّ اللّعنة الأولى قيّدت بالمجرور بحرف { في } الظرفية ، فتعيّن أنّ الإتباع في يوم القيامة بلعنة أخرى .
وجملة { بئس الرفد المرفود } مستأنفة لإنشاء ذمّ اللّعنة . والمخصوص بالذمّ محذوف دل عليه ذكر اللّعنة ، أي بئس الرفد هي .
والرفد بكسر الرّاء اسم على وزن فِعل بمعنى مفعول مثل ذبح ، أي ما يرفد به . أي يُعطى . يقال : رفده إذا أعطاه ما يعينه به من مال ونحوه .
وفي حذف المخصوص بالمدح إيجاز ليكون الذمّ متوجّهاً لإحدى اللّعنتين لا على التعيين لأنّ كلتيهما بَئيس .
وإطلاق الرّفد على اللّعنة استعارة تهكّمية ، كقول عمرو بن معد يكرب :
والمرفود : حقيقته المعطَى شيئاً . ووصف الرفد بالمرفود لأنّ كلتا اللّعنتين معْضودة بالأخرى ، فشبّهت كل واحدة بمَن أعطي عطاء فهي مرفودة . وإنما أجري المرفود على التذكير باعتبار أنّه أطلق عليه رفد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.