تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

ثم أمر بالمسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته ، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة ، من التوبة النصوح ، والاستغفار النافع ، والبعد عن الذنوب ومظانها ، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح ، والحرص على ما يرضي الله على الدوام ، من الإحسان في عبادة الخالق ، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع ، ولهذا ذكر الله الأعمال الموجبة لذلك ، فقال : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } والإيمان بالله ورسله{[993]}  يدخل فيه أصول الدين وفروعها ، { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } أي : هذا الذي بيناه لكم ، وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة إلى الجنة ، والطرق الموصلة إلى النار ، وأن فضل الله بالثواب الجزيل والأجر العظيم{[994]}  من أعظم منته على عباده وفضله . { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } الذي لا يحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وفوق ما يثني عليه عباده{[995]} .


[993]:- كذا في ب، وفي أ: ورسوله.
[994]:- في ب: وأن ثواب الله بالأجر الجزيل، والثواب الجميل.
[995]:- في ب: أحد من خلقه.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

ثم أمرهم - سبحانه - بالمسارعة إلى ما يسعدهم ، بعد أن بين لهم حال الحياة الدنيا فقال : { سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء والأرض

وقوله - تعالى - { سابقوا } ابتدائية ، والجار والمجرور صفة المغفرة .

أى : سارعوا - أيها المؤمنون - مسارعة السابقين لغيرهم ، إلى مغفرة عظيمة كائنة من ربكم .

فالتعبير بقوله : { سابقوا } لإلهاب الحماس وحض النفوس إلى الاستجابة لما أمروا به ، حتى لكأنهم فى حالة مسابقة يحرص كل قرين فيها إلى أن يسبق قرينه .

وقوله : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء والأرض . . . } معطوف على المغفرة . أى : سابقوا غيركم - أيها المؤمنون - إلى مغفرة عظيمة من ربكم ، وإلى جنة كريمة ؛ هذه الجنة عرضها وسعتها ورحابتها .

. . كسعة السماء والأرض .

وهذه الجنة قد { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ } إيمانا حقا ، جعلهم لا يقصلرون فى أداء واجب من الواجبات التى كلفهم - سبحانه - بها .

قال الإمام الفخر الرازى ما ملخصه : فى كون الجنة عرضها كعرض السماء والأرض وجوه : منها : أن المراد لو جعلت السموات والأرضون طبقا طبقا . . . . لكان ذلك مثل عرض الجنة ، وهذا غاية فى السعة لا يعلمها إلا الله - تعالى - .

ومنها : أن المقصود المبالغة فى الوصف بالسعة للجنة ، وذلك لأنه لا شىء عندنا أعرض منهما .

وخص - سبحانه - العرض بالذكر ، ليكون أبلغ فى الدلالة على عظمها ، واتساع طولها ، لأنه إذا كان عرضها كهذا ، فإن العقل يذهب كل مذهب فى تصور طولها ، فقد جرت العادة أن يكون الطول أكبر من العرض .

قال الإمام ابن كثير : وقد روينا فى مسند الإمام أحمد " أن هرقل - ملك الروم - كتب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنك دعوتنى إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فأين النار ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : " سبحان الله ، فأين الليل إذا جاء النهار " " .

وإسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم } يعود إلى الذى وعد الله - تعالى - به عباده المؤمنين من المغفرة والجنة .

أى : ذلك العطاء الجزيل فضل الله - تعالى - وحده وهو صاحب الفضل العظيم لا يعلم مقداره إلا هو - عز وجل - .

فأنت ترى أن الله - تعالى - بعد أن بين حال الحياة الدنيا . دعا المؤمنين إلى المسابقة إلى العمل الصالح ، الذى يوصلهم إلى ما هو أكرم وأبقى . . . وهو الجنة .

وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء والبنين والقناطير المقنطرة مِنَ الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا والله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم . . } ثم

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

16

ومن ثم يدعوهم إلى السباق في ميدان السباق الحقيقي ، للغاية التي تستحق السباق . الغاية التي تنتهي إليها مصائرهم ، والتي تلازمهم بعد ذلك في عالم البقاء :

( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ، وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ، أعدت للذين آمنوا بالله ورسله . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . والله ذو الفضل العظيم ) . .

فليس السباق إلى إحراز اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر بسباق يليق بمن شبوا عن الطوق ، وتركوا عالم اللهو اللعب للأطفال والصغار ! إنما السباق إلى ذلك الأفق ، وإلى ذلك الهدف ، وإلى ذلك الملك العريض : ( جنة عرضها كعرض السماء والأرض ) . .

وربما كان بعضهم في الزمن الخالي - قبل أن تكشف بعض الحقائق عن سعة هذا الكون - يميل إلى حمل مثل هذه الآية على المجاز ، وكذلك حمل بعض الأحاديث النبوية . كذلك الحديث الذي أسلفنا عن أصحاب الغرف التي يتراءاها سكان الجنة كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب . . فأما اليوم ومراصد البشر الصغيرة تكشف عن الأبعاد الكونية الهائلة التي ليس لها حدود ، فإن الحديث عن عرض الجنة ، والحديث عن تراءي الغرف من بعيد ، يقع قطعا موقع الحقيقة القريبة البسيطة المشهودة ، ولا يحتاج إلى حمله على المجاز إطلاقا ! فإن ما بين الأرض والشمس مثلا لا يبلغ أن يكون شيئا في أبعاد الكون يقاس !

وذلك الملك العريض في الجنة يبلغه كل من أراد ، ويسابق إليه كل من يشاء . وعربونه : الإيمان بالله ورسله . ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) . . ( والله ذو الفضل العظيم ) . . وفضل الله غير محجوز ولا محجور . فهو مباح متاح للراغبين والسابقين . وفي هذا فليتسابق المتسابقون ، لا في رقعة الأرض المحدودة الأجل المحدودة الأركان !

ولا بد لصاحب العقيدة أن يتعامل مع هذا الوجود الكبير ؛ ولا يحصر نفسه ونظره وتصوره واهتمامه ومشاعره في عالم الأرض الضيق الصغير . . لا بد له من هذا ليؤدي دوره اللائق بصاحب العقيدة . هذا الدور الشاق الذي يصطدم بحقارات الناس وأطماعهم ، كما يصطدم بضلال القلوب والتواء النفوس . ويعاني من مقاومة الباطل وتشبثه بموضعه من الأرض ما لا يصبر عليه إلا من يتعامل مع وجود أكبر من هذه الحياة ، وأوسع من هذه الأرض ، وأبقى من ذلك الفناء . .

إن مقاييس هذه الأرض وموازينها لا تمثل الحقيقة التي ينبغي أن تستقر في ضمير صاحب العقيدة . وما تبلغ من تمثيل تلك الحقيقة إلا بقدر ما يبلغ حجم الأرض بالقياس إلى حجم الكون ؛ وما يبلغ عمر الأرض بالقياس إلى الأزل والأبد . والفارق هائل هائل لا تبلغ مقاييس الأرض كلها أن تحدده ولا حتى أن تشير إليه !

ومن ثم يبقى صاحب العقيدة في أفق الحقيقة الكبيرة مستعليا على واقع الأرض الصغير . مهما تضخم هذا الواقع وامتد واستطال . يبقى يتعامل مع تلك الحقيقة الكبيرة الطليقة من قيود هذا الواقع الصغير . ويتعامل مع الوجود الكبير الذي يتمثله في الأزل والأبد . وفي ملك الآخرة الواسع العريض . وفي القيم الإيمانية الثابتة التي لا تهتز لخلل يقع في موازين الحياة الدنيا الصغيرة الخادعة . . وتلك وظيفة الإيمان في حياة أصحاب العقائد المختارين لتعديل قيم الحياة وموازينها ، لا للتعامل بها والخضوع لمقتضياتها . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ووَكِيع ، كلاهما عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَلْجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاك نعله ، والنار مثل ذلك " .

انفرد بإخراجه البخاري في " الرقاق " ، من حديث الثوري ، عن الأعمش ، به{[28298]}

ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإنسان ، وإذا كان الأمر كذلك ؛ فلهذا حثه الله{[28299]} على المبادرة إلى الخيرات ، من فعل الطاعات ، وترك المحرمات ، التي تكفر عنه الذنوب والزلات ، وتحصل له الثواب والدرجات ، فقال تعالى : { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ }

والمراد جنس السماء والأرض ، كما قال في الآية الأخرى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] . وقال هاهنا : { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } أي : هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم ، كما قدَّمنا في الصحيح : أن فقراء المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدُّثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم . قال : " وما ذاك ؟ " . قالوا : يُصلُّون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويُعتقون ولا نُعْتِق . قال : " أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم : تسبحون وتكبرون وتحمدون دُبُر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين " . قال : فرجعوا فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ، ففعلوا مثله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " {[28300]}


[28298]:- (3) المسند (1/387) وصحيح البخاري برقم (6488).
[28299]:- (4) في م: "فلهذا حث تعالى".
[28300]:- (5) صحيح البخاري برقم (843) وصحيح مسلم برقم (595).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (21)

لما ذكر تعالى المغفرة التي في الآخرة ، ندب في هذه الآية إلى المسارعة إليها والمسابقة ، وهذه الآية حجة عند جميع العلماء في الندب إلى الطاعات ، وقد استدل بها بعضهم على أن أول أوقات الصلوات أفضل ، لأنه يقتضي المسارعة والمسابقة ، وقد ذكر بعضهم في تفسير هذه الآية أشياء هي على جهة المثال ، فقال قوم من العلماء منهم ابن مسعود : { سابقوا إلى مغفرة من ربكم } معناه : كونوا في أول صف في القتال . وقال آخرون ، منهم أنس بن مالك معناه : اشهدوا تكبيرة الإحرام مع الإمام ، وقال آخرون منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كن أول داخل في المسجد ، وآخر خارج منه ، وهذا كله على جهة المثال . وذكر العرض من الجنة ، إذ المعهود أنه أقل من الطول ، وقال قوم من أهل المعاني : عبر عن الساحة بالعرض ولم يقصد أن طولها أقل ولا أكثر . وقد ورد في الحديث : «إن سقف الجنة العرش » . وورد في الحديث : «إن السماوات السبع في الكرسي كالدرهم في الفلاة ، وإن الكرسي في العرش كالدرهم في الفلاة »{[10985]} .

وقوله تعالى : { أعدت } ظاهرة أنها مخلوقة الآن معدة ، ونص عليه الحسن في كتاب النقاش .


[10985]:رواه ابن جرير في تفسيره، عن ابن زيد، عن أبيه، وأخرجه ابن مردويه عن أبي ذر، وأخرجه الآجري، وأبو حاتم البستي في صحيح مسنده، والبيهقي وذكر أنه صحيح، ولفظه كما ذكره ابن مردويه أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي، فقال صلى الله عليه وسلم:(والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة).