تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ } وهذا تفسير لإقامة الوجه للدين ، فإن الإنابة إنابة القلب وانجذاب دواعيه لمراضي اللّه تعالى .

ويلزم من ذلك حمل{[652]} البدن بمقتضى ما في القلب فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة ، ولا يتم ذلك إلا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة فلذلك قال : { وَاتَّقُوهُ } فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات .

وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو إلى الإنابة والتقوى لقوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } فهذا إعانتها على التقوى .

ثم قال : { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } فهذا حثها على الإنابة . وخص من المنهيات أصلها والذي لا يقبل معه عمل وهو الشرك فقال : { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } لكون الشرك مضادا للإنابة التي روحها الإخلاص من كل وجه .


[652]:- في ب: عمل
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

ثم حرضهم - سبحانه - على الاستمرار فى اتباع توجيهات هذا الدين القيم فقال : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتقوه وَأَقِيمُواْ الصلاة } .

قال القرطبى : وفى أصل الإِنابة قولان : أحدهما ، أنه القطع . ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع ، فكأن الإِنابة هى الانقطاع إلى الله - عز وجل - بالطاعة . والثانى : أن أصله الرجوع ، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى ، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة ، ولفظ { مُنِيبِينَ } منصوب على الحال .

والمعنى : أقيموا وجوهكم - أيها الناس - لخالقكم وحده ، كونكم راجعين إليه بالتوبة والطاعة ، ومقبلين إليه بالاستغفار والعبادة ، ومتقين له فى كل أحوالكم ، ومداومين على إقامة الصلاة فى أوقاتها بخشوع واطمئنان .

{ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين } المبدلين لفطرة الله - تعالى - المتبعين لأهوائهم وشهواتهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

( منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا . كل حزب بما لديهم فرحون ) . .

فهي الإنابة إلى الله والعودة في كل أمر إليه . وهي التقوى وحساسية الضمير ومراقبة الله في السر والعلانية ؛ والشعور به عند كل حركة وكل سكنة . وهي إقامة الصلاة للعبادة الخالصة لله . وهي التوحيد الخالص الذي يميز المؤمنين من المشركين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

وقوله : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } قال ابن زيد ، وابن جُرَيْج : أي راجعين إليه ، { وَاتَّقُوهُ } أي : خافوه وراقبوه ، { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } وهي الطاعة العظيمة ، { وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أي : بل من الموحدين المخلصين له العبادة ، لا يريدون بها سواه .

قال ابن جرير : [ حدثنا ابن حُمَيد ]{[22844]} ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن يزيد{[22845]} بن أبي مريم قال : مر عمر ، رضي الله عنه ، بمعاذ بن جبل فقال : ما قوام هذه الأمة{[22846]} ؟ قال معاذ : ثلاث ، وهن [ من ]{[22847]} المنجيات : الإخلاص ، وهي الفطرة ، فطرة الله التي فَطرَ الناس عليها ، والصلاة وهي الملة ، والطاعة وهي العصمة . فقال عمر : صدقت .

حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّةَ ، حدثنا أيوب ، عن أبي قِلابة : أن عمر ، رضي الله عنه ، قال لمعاذ : ما قوام هذا الأمر ؟ فذكره نحوه{[22848]} .


[22844]:- زيادة من ف، أ، والطبري.
[22845]:- في أ: "زيد".
[22846]:- في ت: "الآية".
[22847]:- زيادة من ت
[22848]:- تفسير الطبري (21/26)
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الّذِينَ فَرّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : مُنِيبِينَ إلَيْهِ تائبين راجعين إلى الله مقبلين ، كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مُنيبِينَ إليْهِ قال : المنيب إلى الله : المطيع لله ، الذي أناب إلى طاعة الله وأمره ، ورجع عن الأمور التي كان عليها قبل ذلك . كان القوم كفارا ، فنزعوا ورجعوا إلى الإسلام .

وتأويل الكلام : فأقم وجهك يا محمد للدين حنيفا منيبين إليه إلى الله فالمنيبون حال من الكاف التي في وجهك .

فإن قال قائل : وكيف يكون حالاً منها ، والكاف كناية عن واحد ، والمنيبون صفة لجماعة ؟ قيل : لأن الأمر من الكاف كناية اسمه من الله في هذا الموضع أمر منه له ولأمته ، فكأنه قيل له : فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنيفا لله ، منيبين إليه .

وقوله : وَاتّقُوهُ يقول جلّ ثناؤه : وخافوا الله وراقبوه أن تفرّطوا في طاعته ، وتركبوا معصيته . وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ يقول : ولا تكونوا من أهل الشرك بالله بتضييعكم فرائضه ، وركوبكم معاصيه ، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

{ مُنِيبِينَ } حال من ضمير { فَأقِمْ } [ الروم : 30 ] للإشارة إلى أن الخطاب الموجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مراد منه نفسه والمؤمنون معه كما تقدم .

والمنيب : الملازم للطاعة . ويظهر أن معنى أناب صار ذا نوبة ، أي ذا رجوع متكرر وأن الهمزة فيه للصيرورة ، والنوبة : حصة من عمل يتوزعه عدد من الناس وأصلها : فَعْلَة بصيغة المرة لأنها مرة من النَّوْب وهو قيام أحد مقام غيره ، ومنه النيابة ، ويقال : تناوبوا عمل كذا . وفي حديث عمر : « كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوماً وأنزل يوماً » الحديث ، فإطلاق المنيب على المطيع استعارة لتعهد الطاعة تعهداً متكرراً ، وجعلت تلك الاستعارة كناية عن مواصلة الطاعة وملازمتها قال تعالى : { إن إبراهيم لحليم أوّاه مُنيب } في سورة هود ( 75 ) . وفسّرت الإنابة أيضاً بالتوبة . وقد قيل : إن ناب مرادف تاب ، وهو المناسب لقوله في الآية الموالية { دعوا ربهم منيبين إليه } [ الروم : 33 ] . والأمر الذي في قوله { واتقوه وأقيموا الصلاة } مستعمل في طلب الدوام .