تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

{ و ْ } إذا كانت القيامة ف { لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ْ } بالكفر والمعاصي جميع { مَا فِي الْأَرْضِ ْ } من ذهب وفضة وغيرهما ، لتفتدي به من عذاب الله { لَافْتَدَتْ بِهِ ْ } ولما نفعها ذلك ، وإنما النفع والضر والثواب والعقاب ، على الأعمال الصالحة والسيئة .

{ وَأَسَرُّوا ْ } [ أي ] الذين ظلموا { النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ْ } ندموا على ما قدموا ، ولات حين مناص ، { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ْ } أي : العدل التام الذي لا ظلم ولا جور فيه بوجه من الوجوه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

ثم بين - سبحانه - أنهم لن يستطيعوا افتداء أنفسهم من العذاب عند وقوعه فقال - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا في الأرض لاَفْتَدَتْ بِهِ } .

أى : ولو أن لكل نفس تلبست بالظلم بسبب شركها وفسوقها ، جميع ما في الأرض من مال ومتاع ، وأمكنها أن تقدمه كفداء لها من العذاب يوم القيامة ، لقدمته سريعا دون أن تبقى منه شيئا حتى تفتدي ذاتها من العذاب المهين .

ومفعول { افتدت } محذوف . أي لافتدت نفسها به .

ولو هنا امتناعية ، أى : امتنع افتداء كل نفس ظالمة ، لامتناع ملكها لما تفدى به ذاها وهو جميع ما في الأرض من أموال ، ولامتناع قبول ذلك منها فيما لو ملكته على سبيل الفرض .

وقوله { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } والندامة والندم : ما يجده الإِنسان في نفسه من آلام وحسرات على أقوال أو أفعال سيئة ، فات أوان تداركها .

أى : وأخفى هؤلاء الظالمين الندامة حين رأوا بأبصارهم مقدمات العذاب ، وحين أيقنوا أنهم لا نجاة لهم منه ، ولا مصرف لهم عنه .

قال صاحب الكشاف : " قوله - سبحانه - { وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب } لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه ، ولم يخطر ببالهم ، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه ، ما سلبهم قواهم ، وبهرهم ، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع ، سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب ، كما ترى القدم للصلب يثخنه ما دهمه من فظاعة الخبط ويغلب ، حتى لا ينبس بكلمة ويبقى جامدا مبهوتا .

وقيل : أسر رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم ، حياء منهم وخوفا من توبيخهم . .

وقيل أسروا الندامة : أظهروها من قولهم أسر الشيء إذا أظهره وليس هناك تجلد " .

وقوله : { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بيان لعدالة الله في أحكامه بين عباده .

أى : وقضى الله - تعالى - بين هؤلاء الضالمين وبين غيرهم بالعدل دون أن يظلم أحدا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

26

وبينما نحن معهم على هذه الأرض في استنباء وجواب . إذا نحن فجأة - مع السياق في نقلة من نقلات الأسلوب القرآني المصور - في ساحة الحساب والجزاء . مبدئياً على وجه الفرض والتقدير .

ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به . .

فلا يقبل منها حتى على فرض وجوده معها .

ولا تكتمل الآية حتى يكون الفرض قد وقع وقضي الأمر :

( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ) . .

أخذتهم وهلة المفاجأة فسقط في أيديهم ، والتعبير يرسم للخيال صورة الكمد يظلل الوجوه ، دون أن تنطق الشفاه !

( وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) . .

وانتهى المشهد الذي بدأ منذ نصف آية فرضاً وانتهى واقعاً ، على طريقة التصوير القرآني المؤثر المثير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يودّ الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ، { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } أي : بالحق ، { وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أَنّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرّواْ النّدَامَةَ لَمّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ولو أن لكلّ نفس كفرت بالله . وظُلْمُها في هذا الموضع : عبادتها غير من يستحقّ عبادة وتركها طاعة من يجب عليها طاعته . ما فِي الأرْضِ من قليل أو كثير ، لافْتدَتْ بهِ يقول : لافتدت بذلك كله من عذاب الله إذا عاينته . وقوله : وأسَرّوا النّدَامَةَ لَمّا رأَوُا العَذَابَ يقول : وأخفت رؤساء هؤلاء المشركين من وضعائهم وسفلتهم الندامة حين أبصروا عذاب الله قد أحاط بهم ، وأيقنوا أنه واقع بهم . وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقِسْطِ يقول : وقضىَ الله يؤمئذ بين الأتباع والرؤساء منهم بالعدل . وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وذلك أنه لا يعاقب أحدا منهم إلا بجريرته ولا يأخذه بذنب أحد ولا يعذّب إلا من قد أعذر إليه في الدنيا وأنذر وتابع عليه الحجج .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

هذا إخبار للكفار في سياق إخبارهم بأن ذلك الوعد حق ، { وأسروا } لفظة تجيء بمعنى : أخفوا ، وهي حينئذ من السر ، وتجيء بمعنى أظهروا ، وهي حينئذ من أسارير الوجه{[6138]} ، قال الطبري : المعنى وأخفى رؤساء هؤلاء الكفار الندامة عن سفلتهم ووضعائهم .

قال القاضي أبو محمد : بل هو عام في جميعهم .


[6138]:- من شواهد مجيئها بمعنى أظهروا قول كثير: فأسررت الندامة يوم نادى برد جمال غاضرة المُنادي أي: أظهرت الندامة، ويقوّي معنى الإظهار في الآية أن يوم القيامة ليس بيوم تصبر ولا تجلّد، ولا يقدر فيه الكافر على كتمان ما ناله، ولأنه عند رؤية العذاب يوم القيامة يتحسّر الإنسان على ارتكاب ما سببه له وأوجبه عليه، ويظهر الندامة على ما فاته من الفوز والخلاص من العذاب، ولهذا يقولون: {ربنا غلبت علينا شقوتنا}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

{ ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به }

الأظهر أن هذه الجملة من بقية القول ، فهي عطف على جملة { إي وربي إنه لحق } [ يونس : 53 ] إعلاماً لهم بهول ذلك العذاب عساهم أن يحذروه ، ولذلك حذف المتعلِّق الثاني لفعل ( افتدت ) لأنه يقتضي مفدياً به ومفدياً منه ، أي لافتدت به من العذاب .

والمعنى أن هذا العذاب لا تتحمله أية نفس على تفاوت الأنفس في احتمال الآلام ، ولذلك ذكر { كل نفس } دون أن يقال ولو أن لكم ما في الأرض لافتديتم به .

وجملة { أن لكل نفس ظلمتْ ما في الأرض } واقعة موقع شرط ( لو ) .

و { ما في الأرض } اسم ( أن ) . و { ولكل نفس } خبر ( أن ) وقدم على الاسم للاهتمام بما فيه من العموم بحيث ينص على أنه لا تسلم نفس من ذلك . وجملة { ظلمت } صفة لِ { لنفس } . وجملة : { لافتدت به } جواب ( لو ) .

فعموم { كل نفس } يشمل نفوس المخاطبين مع غيرهم .

ومعنى { ظلمت } أشركت ، وهو ظلم النفس { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .

و { ما في الأرض } يعم كل شيء في ظاهر الأرض وباطنها لأن الظرفية ظرفية جمع واحتواء .

و ( افتدى ) مرادف فدى . وفيه زيادة تاء الافتعال لتدل على زيادة المعنى ، أي لتكلفت فداءها به .

{ وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون }

جملة مستأنفة معطوفة عطف كلام على كلام . وضمير { أسروا } عائد إلى { كل نفس } باعتبار المعنى مع تغليب المذكر على المؤنث ، وعبر عن الإسرار المستقبَلي بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقيق وقوعه حتى كأنَّه قد مضى ، والمعنى : وسيسرُّون الندامة قطعاً . وكذلك قوله : { وقُضيَ بينهم } .

والندامة : الندم ، وهو أسف يحصل في النفس على تفويت شيء ممكن عمله في الماضي ، والندم من هواجس النفس ، فهو أمر غير ظاهر ولكنه كثير ، أي يصدر عن صاحبه قولٌ أو فعل يدل عليه ، فإذا تجلد صاحب الندم فلم يظهر قولاً ولا فعلاً فقد أسر الندامة ، أي قصرها على سِره فلم يظهرها بإظهار بعض آثارها ، وإنما يكون ذلك من شدة الهول ؛ فإنما أسروا الندامة لأنهم دهشوا لرؤية ما لم يكونوا يحتسبون فلم يطيقوا صراخاً ولا عويلاً .

وجملة : { وقُضي بينهم } عطف على جملة : { وأسروا } مستأنفة .

ومعنى : { قضي بينهم } قضي فيهم ، أي قضي على كل واحد منهم بما يستحقه بالعدل ، فالقضاء بالعدل وقع فيهم ، وليس المعنى أنه قضي بين كل واحد وآخر لأن القضاء هنا ليس قضاء نزاع ولكنه قضاء زجر وتأنيب ، إذ ليس الكلام هنا إلا على المشركين وهم صنف واحد ، بخلاف قوله تعالى : { فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط } [ يونس : 47 ] فإن ذلك قضاء بين المرسل إليهم وبين الرسل كما قال تعالى : { فلنَسألنَّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين } [ الأعراف : 6 ، 7 ] .

وجملة : { وهم لا يظلمون } حالية .