تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

{ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

يخبر تعالى أنه لا يستوي من كان قصده رضوان ربه ، والعمل على ما يرضيه ، كمن ليس كذلك ، ممن هو مكب على المعاصي ، مسخط لربه ، هذان لا يستويان في حكم الله ، وحكمة الله ، وفي فطر عباد الله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

ثم أكد - سبحانه - نفى الظلم عن ذاته فقال : { أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله } بأن واظب على ما يرضيه ، والتزم طاعته ، وترك كل ما نهى عنه من غلول وغيره { كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ الله } أى كمن رجع بغضب عظيم عليه من الله بسبب غلوله وخيانته وارتكابه لما نهى الله عنه من أقوال وأفعال ؟

فالآية الكريمة تفريع على قوله - تعالى - قبل ذلك { ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } وتأكيد لبيان أنه لا يستوى المحسن والمسىء والأمين والخائن .

والاستفهام إنكارى بمعنى النفى ، أى لا يستوى من اتبع رضوان الله مع من باء بسخط منه .

وقد ساق - سبحانه - هذا الكلام الحكيم بصيغة الاستفهام الإنكارى ، للتنبيه على أن عدم المساواة بين المسحن والمسىء أمر بدهى واضح لا تختلف فيه العقول والأفهام ، وأن أى إنسان عاقل لو سئل عن ذلك لأجاب بأنه لا يستوى من اتبع رضوان الله مع من رجع بسخط عظيم منه بسبب كفره أو فسقه وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } وقوله { أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض } والفاء فى قوله { أَفَمَنِ اتبع } للعطف على محذوف والتقدير ، أمن اتقى فاتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ؟

ثم أعقب - سبحانه - ذكر سخطه بذكر عقوبته فقال : { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير } أى أن هذا الذى رجع بغضب عظيم عليه من الله - تعالى - بسبب كفره أو فسوقه أو خيانته ، سيكون مثواه ومصيره إلى النار وبئس ذلك المصير الذى صار إليه وكان له مرجعا ونهاية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

121

ثم يستطرد السياق- في معرض الحديث عن الغنائم والغلول - يوازن بين القيم . . القيم الحقيقية التي يليق أن يلتفت إليها القلب المؤمن ، وأن يشغل بها :

( أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ، ومأواه جهنم وبئس المصير ؟ هم درجات عند الله ، والله بصير بما يعملون ) . .

إنها النقلة التي تصغر في ظلها الغنائم ، ويصغر في ظلها التفكير في هذه الاعراض . وهي لمسة من لمسات المنهج القرآني العجيب في تربية القلوب ، ورفع اهتماماتها ، وتوسيع آفاقها وشغلها بالسباق الحقيقي في الميدان الأصيل .

( أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) . .

هذه هي القيم ، وهذا هو مجال الطمع ! ومجال الاختيار . وهذا هو ميدان الكسب والخسارة . وشتان بين من يتبع رضوان الله فيفوز به ، ومن يعود وفي وطابه سخط الله ! يذهب به إلى جهنم . . وبئس المصير !

/خ179

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

وقوله : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه ، فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأُجِير من وَبِيل عقابه ، ومن استحق غضب الله وألزم به ، فلا محيد له عنه ، ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير .

وهذه لها نظائر في القرآن كثيرة كقوله تعالى : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } [ الرعد : 19 ] وكقوله { أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ] {[6097]} } [ القصص : 61 ] .


[6097]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : أفمن اتبع رضوان الله في ترك الغلول كمن باء بسخط من الله بغلوله ما غلّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن طريف ، عن الضحاك في قوله : { أفَمَنِ اتّبَعَ رِضُوَانَ اللّهِ } قال : من لم يغلّ . { كَمَنْ بَاءَ بَسَخطٍ مِنَ اللّهِ } : كمن غلّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني سفيان بن عيينة ، عن مطرف بن مطرف ، عن الضحاك قوله : { أفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ } قال : من أدّى الخمس . { كَمَنْ بَاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ } : فاستوجب سخطا من الله .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثني به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { أفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ } على ما أحبّ الناس وسخطوا ، { كَمَنْ بَاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ } لرضا الناس وسخطهم ؟ يقول : أفمن كان على طاعتي ، فثوابه الجنة ورضوان من ربه ، كمن باء بسخط من الله ، فاستوجب غضبه ، وكان مأواه جهنم وبئس المصير ؟ أسوأ المثلان ؟ أي فاعرفوا .

وأولى التأولين بتأويل الاَية عندي ، قول الضحاك بن مزاحم¹ لأن ذلك عقيب وعبيد الله على الغلول ونهيه عباده عنه ، ثم قال لهم بعد نهيه عن ذلك ووعيده ، أسواء المطيع لله فيما أمره ونهاه ، والعاصي له في ذلك : أي أنهما لا يستويان ولا تستوي حالتاهما عنده ، لأن لمن أطاع الله فيما أمره ونهاه : الجنة ، ولمن عصاه فيما أمره ونهاه : النار . فمعنى قوله : { أفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ } إذا : أفمن ترك الغلول وما نهاه الله عنه عن معاصيه وعمل بطاعة الله في تركه ذلك وفي غيره مما أمره به ونهاه من فرائضه ، متبعا في كل ذلك رضا الله ، ومجتنبا سخطه ، { كَمَنْ بَاءَ بِسَخْطٍ مِنَ اللّهِ } يعني : كمن انصرف متحملاً سخط الله وغضبه ، فاستحقّ بذلك سكنى جهنم ، يقول : ليسا سواء . وأما قوله : { وَبِئْسَ المَصِير } فإنه يعني : وبئس المصير الذي يصير إليه ويئوب إليه من باء بسخط من الله جهنم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

{ أفمن اتبع رضوان الله } بالطاعة . { كمن باء } رجع . { بسخط من الله } بسبب المعاصي . { ومأواه جهنم وبئس المصير } الفرق بينه وبين المرجع إن المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى ولا كذلك المرجع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

وقوله تعالى : { أفمن اتبع رضوان الله } الآية ، توقيف على تباين المنزلتين وافتراق الحالتين ، والرضوان : مصدر ، وقرأه عاصم - فيما روي عنه - بضم الراء - وقرأ جميعهم بكسرها ، وحكى أبو عمرو الداني عن الأعمش ، أنه قرأها - بكسر الراء وضم الضاد ، وهذا كله بمعنى واحد مصدر من الرضى ، والمعنى ، اتبعوا الطاعة الكفيلة برضوان الله ، ففي الكلام حذف مضاف{[3693]} ، و { باء بسخط } - معناه : مضى متحملاً له ، والسخط : صفة فعل ، وقد تتردد متى لحظ فيها معنى الإرادة ، وقال الضحاك : إن هذه الآية مشيرة إلى أن من لم يغل واتقى فله الرضوان ، وإلى أن من غل وعصى فله السخط ، وقال غيره : هي مشيرة إلى أن من استشهد - بأحد - فله الرضوان ، وإلى المنافقين الراجعين عن النبي صلى الله عليه وسلم فلهم السخط ، وباقي الآية بّين .


[3693]:- هذا والاستفهام في الآية معناه: النفي، أي: ليس من اتبع رضا الله فامتثل أوامره واجتنب نواهيه كمن عصاه فباء بسخطه، وهو من الاستعارة البديعة، إذ أن ما شرعه الله كالدليل الذي يتبعه من اهتدى به، والعاصي كالشخص الذي أمر بأن يتبع فرجع مصحوبا بما يخالف الاتباع.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

تفريع على قوله : { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } فهو كالبيان لتوفية كلّ نفس بما كسبت .

والاستفهام إنكار للمماثلة المستفادة من كاف التَّشبيه فهو بمعنى لا يستوون . والاتِّباع هنا بمعنى التطلّب : شبه حَال المتوّخي بأفعاله رضَى الله بحال المتطلِّب لطِلْبَة فهو يتبعها حيث حلّ ليقتنصها ، وفي هذا التَّشبيه حسن التنبيه على أنّ التحصيل على رضوان الله تعالى محتاج إلى فرط اهتمام ، وفي فعل ( باء ) من قوله : { كمن بآء بسخط من الله } تمثيل لحال صاحب المعاصي بالَّذي خرج يطلب ما ينفعه فرجع بما يضرّه ، أو رجع بالخيبة كما تقدّم في معنى قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } في سورة البقرة ( 16 ) . وقد علم من هذه المقابلة حال أهل الطاعة وأهل المعصية ، أوْ أهلِ الإيمان وأهلِ الكفر .