تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } كل يدعي أنه المحق .

{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا } يشمل كل كافر ، من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين ، والمشركين .

{ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ } أي : يجعل لهم ثياب من قطران ، وتشعل فيها النار ، ليعمهم العذاب من جميع جوانبهم .

{ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } الماء الحار جدا ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك صورة فيها ما فيها من وجوه المقارنات بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين ، لكى ينحاز كل ذى عقل سليم إلى فريق الإيمان لا الكفر ، فقال - تعالى - : { هذان خَصْمَانِ . . . } . { هذان خَصْمَانِ . . . } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { هذان خَصْمَانِ اختصموا فِي رَبِّهِمْ . . . } روايات أشار الإمام ابن كثير إلى معظمها فقال : " ثبت فى الصحيحين عن أبى ذر : أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية { هذان خَصْمَانِ } نزلت فى حمزة وصاحبيه . وعتبة وصاحبيه ، يوم برزوا فى بدر .

وعن قتادة قال : اختصم المسلمون وأهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، فنحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون : كتابنا يقضى على الكتب كلها ، ونبينا خاتم الأنبياء ، فنحن أولى بالله منكم ، فأفلج الله الإسلام على من ناوأه - أى فنصر الله الإسلام - ، وأنزل الآية .

وعن مجاهد فى الآية : مثل الكافر والمؤمن اختصما فى البعث .

وهذا القول يشمل الأقوال كلها ، وينتظم فيه قصة بدر وغيرها ، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله ، والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان .

أى : هذا خصمان اختصموا فى ذات ربهم وفى صفاته ، بأن اعتقد كل فريق منهم أنه على الحق ، وأن خصمه على الباطل .

قال الجمل : والخصم فى الأصل مصدر ولذلك يوحد ويذكر غالبا ، وعليه قوله - تعالى - : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب } ويجوز أن يثنى ويؤنث ، ولما كان كل خصم فريقا يجمع طوائف قال : { اختصموا } بصيغة الجمع كقوله - تعالى - : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا } فالجمع مراعاة للمعنى .

وقوله - سبحانه - : { فالذين كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ . . . } تفصيل وبيان لحال كل خصم وفريق .

أى : فالذين كفروا جزاؤهم أنهم قطع الله - تعالى - لهم من النار ثيابا ، وألبسهم إياها .

قال الآلوسى : أى أعد الله لهم ذلك ، وكأنه شبه إعداد النار الحيطة بهم بتقطيع ثياب وتفصيلها لهم على قدر جثثهم . ففى الكلام استعارة تمثيلية تهكمية ، وليس هناك تقطيع ثياب ولا ثياب حقيقة . وكأن جميع الثياب للإيذان بتراكم النار المحيطة بهم ، وكون بعضها فوق بعض . . . وعبر بالماضى ، لأن الإعداد قد وقع ، فليس من التعبير بالماضى لتحققه . . .

وقوله : { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم } زيادة فى عذابهم ، أى : لم تقطع لهم ثياب من نار فحسب ، وإنما زيادة على ذلك يصب من فوق رءوسهم " الحميم " أى : الماء البالغ أقصى درجات الشدة فى الحرارة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

ثم مشهد من مشاهد القيامة يتجلى فيه الإكرام والهوان ، في صورة واقع يشهد كأنه معروض للعيان :

هذا خصمان اختصموا في ربهم . فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ؛ ولهم مقامع من حديد ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها . وذوقوا عذاب الحريق . إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير .

إنه مشهد عنيف صاخب ، حافل بالحركة ، مطول بالتخييل الذي يبعثه في النفس نسق التعبير . فلا يكاد الخيال ينتهي من تتبعه في تجدده . .

هذه ثياب من النار تقطع وتفصل ! وهذا حميم ساخن يصب من فوق الرؤوس ، يصهر به ما في البطون والجلود عند صبه على الرؤوس ! وهذه سياط من حديد أحمته النار . . وهذا هو العذاب يشتد ، ويتجاوز الطاقة ، فيهب ( الذين كفروا )من الوهج والحميم والضرب الأليم يهمون بالخروج من هذا( الغم )وها هم أولاء يردون بعنف ، ويسمعون التأنيب : ( وذوقوا عذاب الحريق ) . .

ويظل الخيال يكرر هذه المشاهد من أولى حلقاتها إلى أخراها ، حتى يصل إلى حلقة محاولة الخروج والرد العنيف ، ليبدأ في العرض من جديد !

ولا يبارح الخيال هذا المشهد العنيف المتجدد إلا أن يلتفت إلى الجانب الآخر ، الذي يستطرد السياق إلى عرضه . فأصل الموضوع أن هناك خصمين اختصموا في ربهم . فأما الذين كفروا به فقد كنا نشهد مصيرهم المفجع منذ لحظة ! وأما الذين آمنوا فهم هنالك في الجنات تجري من تحتها الأنهار . وملابسهم لم تقطع من النار ، إنما فصلت من الحرير . ولهم فوقها حلى من الذهب واللؤلؤ . وقد هداهم الله إلى الطيب من القول ، وهداهم إلى صراط الحميد . فلا مشقة حتى في القول أو في الطريق . . والهداية إلى الطيب من القول ، والهداية إلى صراط الحميد نعمة تذكر في مشهد النعيم . نعمة الطمأنينة واليسر والتوفيق .

وتلك عاقبة الخصام في الله . فهذا فريق وذلك فريق . . فليتدبر تلك العاقبة من لا تكفيه الآيات البينات ، ومن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { هََذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبّهِمْ فَالّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارِ يُصَبّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلّمَآ أَرَادُوَاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ } .

اختلف أهل التأويل في المعنيّ بهذين الخصمين اللذين ذكرهما الله ، فقال بعضهم : أحد الفريقين : أهل الإيمان ، والفريق الاَخر : عبدة الأوثان من مشركي قريش الذين تبارزوا يوم بدر . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو هاشم عن أبي مجاز ، عن قيس بن عبادة قال : سمعت أبا ذرّ يُقْسم قَسَما أن هذه الاَية : هَذَان خَصْمان اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ نزلت في الذين بارزوا يوم بدر : حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة . قال : وقال عليّ : إني لأوّل أو من أوّل من يجثو للخصومة يوم القيامة بين يدي الله تبارك وتعالى .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجاز ، عن قيس بن عباد ، قال : سمعت أبا ذرّ يقسم بالله قسما لنزلت هذه الاَية في ستة من قريش : حمزة بن عبد المطلب وعليّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم ، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة هَذَان خَصْمان اخْتَصَمُوا في رَبّهِمْ . . . إلى آخر الاَية : إنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُوا وَعملُوا الصّالحاتِ . . . إلى آخر الاَية .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجاز ، عن قيس بن عباد ، قال : سمعت أبا ذرّ يقسم ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن محبب ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور بن المعتمر ، عن هلال بن يساف ، قال : نزلت هذه الاَية في الذين تبارزوا يوم بدر : هَذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار ، قال : نزلت هؤلاء الاَيات : هَذَان خَصْمان اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ في الذين تبارزوا يوم بدر : حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث ، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة . إلى قوله : وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الحَمِيدِ .

قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي هاشم ، عن أبي مُجَلّز ، عن قيس بن عباد ، قال : والله لأُنزلت هذه الاَية : هَذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ في الذين خرج بعضهم إلى بعض يوم بدر : حمزة وعليّ وعُبيدة رحمة الله عليهم ، وشيبة وعتبة والوليد بن عتبة .

وقال آخرون ممن قال أحد الفرقين فريق الإيمان : بل الفريق الاَخر أهل الكتاب . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : هَذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ قال : هم أهل الكتاب ، قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله ، وأقدم منكم كتابا ، ونبينا قبل نبيكم . وقال المؤمنون : نحن أحقّ بالله ، آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، فأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا . وكان ذلك خصومتهم في ربهم .

وقال آخرون منهم : بل الفريق الاَخر الكفار كلهم من أيّ ملة كانوا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن مجاهد وعطاء بن أبي رَياح وأبي قَزَعة ، عن الحسين ، قال : هم الكافرون والمؤمنون اختصموا في ربهم .

قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : مثل الكافر والمؤمن قال ابن جُرَيج : خصومتهم التي اختصموا في ربهم ، خصومتهم في الدنيا من أهل كل دين ، يرون أنهم أولى بالله من غيرهم .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال : كان عاصم والكلبي يقولان جميعا في : هَذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ قال : أهل الشرك والإسلام حين اختصموا أيهم أفضل ، قال : جعل الشرك ملة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : هَذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ قال : مثل المؤمن والكافر اختصامهما في البعث .

وقال آخرون : الخصمان اللذان ذكرهما الله في هذه الاَية : الجنة والنار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرِمة : هَذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ قال : هما الجنة والنار اختصمتا ، فقالت النار : خلقني الله لعقوبته وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته فقد قصّ الله عليك من خبرهما ما تسمع .

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب وأشبهها بتأويل الاَية ، قول من قال : عُني بالخصمين جميع الكفار من أيّ أصناف الكفر كانوا وجميع المؤمنين . وإنما قلت ذلك أولى بالصواب ، لأنه تعالى ذكره ذكر قبل ذلك صنفين من خلقه : أحدهما أهل طاعة له بالسجود له ، والاَخر : أهل معصية له ، قد حقّ عليه العذاب ، فقال : ألَمْ تَرَ أنّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ والشّمْسُ والقَمَرُ ثم قال : وكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وكَثِيرٌ حَقّ عَلَيْهِ العَذَابُ ، ثم أتبع ذلك صفة الصنفين كليهما وما هو فاعل بهما ، فقال : فالذين كَفرُوا قُطّعتْ لهُمْ ثيابٌ منْ نارٍ وقال الله : إنّ اللّهَ يُدْخِلُ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ فكان بيّنا بذلك أن ما بين ذلك خبر عنهما .

فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما رُوي عن أبي ذرّ في قوله : إنّ ذَلكَ نزل في الذين بارزوا يوم بدر ؟ قيل : ذلك إن شاء الله كما رُوي عنه ولكن الاَية قد تنزل بسبب من الأسباب ، ثم تكون عامة في كل ما كان نظير ذلك السبب . وهذه من تلك ، وذلك أن الذين تبارزوا إنما كان أحد الفريقين أهل شرك وكفر بالله ، والاَخر أهل إيمان بالله وطاعة له ، فكل كافر في حكم فريق الشرك منهما في أنه لأهل الإيمان خصم ، وكذلك كل مؤمن في حكم فريق الإيمان منهما في أنه لأهل الشرك خصم .

فتأويل الكلام : هذان خصمان اختصموا في دين ربهم ، واختصامهم في ذلك معاداة كل فريق منهما الفريق الاَخر ومحاربته إياه على دينه .

وقوله : فالّذِينَ كَفَرُوا قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يقول تعالى ذكره : فأما الكافر بالله منهما فإنه يقطع له قميص من نحاس من نار . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : فالّذِينَ كَفَرُوا قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ قال : الكافر قطعت له ثياب من نار ، والمؤمن يدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : فالّذِينَ كَفَرُوا قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ قال : ثياب من نحاس ، وليس شيء من الاَنية أحمى وأشد حرّا منه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الكفار قطعت لهم ثياب من نار ، والمؤمن يدخل جنات تجري من تحتها الأنهار .

وقوله : يُصَبّ مِنْ فَوْقِ رؤسِهِمُ الحَمِيمُ يقول : يصبّ على رؤسهم ماء مُغْلًي . كما :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطَالقاني ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سعيد بن زيد ، عن أبي السّمْح ، عن ابن حجيرة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «إنّ الحَمِيمَ لَيُصَبّ عَلى رُؤُسِهِمْ ، فَيَنْفُذُ الجُمْجَمَةَ حتى يَخْلُصَ إلى جَوْفِهِ ، فَيَسْلُتَ ما فِي جَوْفِهِ حتى يَبْلُغَ قَدَمَيْهِ ، وَهِيَ الصّهْرُ ، ثُمّ يُعادُ كَما كانَ » .

حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يعمر بن بشر ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا سعيد بن زيد ، عن أبي السمح ، عن ابن حجيرة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله ، إلا أنه قال : «فَيَنْفُذُ الجُمْجُمَةَ حَى يَخْلُصَ إلى جَوْفِهِ فَيَسْلُتَ مَا في جَوْفِهِ » .

وكان بعضهم يزعم أن قوله : ولَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ من المؤخّر الذي معناه التقديم ، ويقول : وجه الكلام : فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ولهم مقامع من حديد يصبّ من فوق رؤسهم الحميم ويقول : إنما وجب أن يكون ذلك كذلك ، لأن الملك يضربه بالمقمع من الحديد حتى يثقب رأسه ، ثم يصبّ فيه الحميم الذي انتهى حرّه فيقطع بطنه . والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا ، يدلّ على خلاف ما قال هذا القائل وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن الحميم إذا صبّ على رؤسهم نفذ الجمجمة حتى يخلص إلى أجوافهم ، وبذلك جاء تأويل أهل التأويل ، ولو كانت المقامع قد تثقب رؤوسهم قبل صبّ الحميم عليها ، لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الحَميمَ يَنْفُذُ الجُمْجُمَةَ » معنى ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما قال هذا القائل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

{ هذان خصمان } أي فوجان مختصمان . ولذلك قال : { اختصموا } حملا على المعنى ولو عكس لجاز ، والمراد بهما المؤمنون والكافرون . { في ربهم } في دينه أو في ذاته وصفاته . وقيل تخاصمت اليهود والمؤمنون فقال اليهود : نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابا ونبيا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله آمنا بمحمد ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم كفرتم به حسدا فنزلت . { فالذين كفروا } فصل لخصومتهم وهو المعني بقوله تعالى : { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } { قطعت لهم } قدرت لهم على مقادير جثثهم ، وقرىء بالتخفيف . { ثياب من نار } نيران تحيط بهم إحاطة الثياب . { يصب من فوق رؤوسهم الحميم } حال من الضمير في { لهم } أو خبر ثان ، والحميم الماء الحار .