تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ} (59)

{ 59 } { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ } .

أي : قل الحمد لله الذي يستحق كمال الحمد والمدح والثناء لكمال أوصافه وجميل معروفه وهباته وعدله وحكمته في عقوبته المكذبين وتعذيب الظالمين ، وسلم أيضا على عباده الذين تخيرهم واصطفاهم على العالمين من الأنبياء والمرسلين وصفوة الله من العالمين ، وذلك لرفع ذكرهم وتنويها بقدرهم وسلامتهم من الشر والأدناس ، وسلامة ما قالوه في ربهم من النقائص والعيوب .

{ آللَّهُ خَيْرٌ أمَا يُشْرِكُونَ } وهذا استفهام قد تقرر وعرف ، أي : الله الرب العظيم كامل الأوصاف عظيم الألطاف خير أم الأصنام والأوثان التي عبدوها معه ، وهي ناقصة من كل وجه ، لا تنفع ولا تضر ولا تملك لأنفسها ولا لعابديها مثقال ذرة من الخير فالله خير مما يشركون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ} (59)

وبعد هذا الحديث المتنوع عن قصص بعض الأنبياء ، ساق - سبحانه - ما يدل على وحدانيته ، وكمال قدرته ، وسعة فضله على عباده ، فقال - تعالى - : { قُلِ الحمد لِلَّهِ . . . } .

قال صاحب البحر المحيط : لما فرغ - سبحانه - من قصص هذه السورة ، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بحمده - تعالى - والسلام على المصطفين ، وأخذ فى مباينة واجب الوجود وهو الله - تعالى - ومباينة الأصنام والأديان التى أشركوها مع الله وعبدوها ، وابتدأ فى هذا التقرير لقريش وغيرهم بالحمد لله ، وكأنها صدر خطبة ، لما يلقى من البراهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة . وقد اقتدى بذلك المسلمون فى تصانيف كتبهم ، وخطبهم ، ووعظهم ، فافتتحوا بتحميد الله ، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وتبعهم المتراسلون فى أوائل كتب الفتوح والتهانى والحوادث التى لها شأن .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس : { الحمد لِلَّهِ } - تعالى - وحده ، فهو - سبحانه - صاحب النعم والمنن على عباده ، وهو - عز وجل - الذى له الخلق والأمر وليس لأحد سواه .

وقل - أيضا - { وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى } أى : أمان وتحية لعباده الذين اصطفاهم واختارهم - سبحانه - لحمل رسالته وتبليغ دعوته ، والاستجابة لأمره ونهيه ، والطاعة له فى السر والعلن .

والاستفهام فى قوله { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } للإنكار والتقريع ، والألف منقلبة عن همزة الاستفهام .

أى : وقل لهم - أيها الرسول الكريم - آلله الذى له الخلق والأمر ، والذى أنعم عليكم بالنعم التى لا تحصى ، خير ، أم الآلهة الباطلة التى لا تنفع ولا تضر ، والتى يعبدها المشركون من دون الله - تعالى - . إن كل من عنده عقل ، لا يشك فى أن المستحق للعبادة والطاعة ، هو الله رب العالمين .

ولفظ { خَيْرٌ } ليس للتفضيل ، وإنما هو من باب التهكم بهم ، إذ لا خير فى عبادة الأصنام أصلا . وقد حكى عن العرب أنهم يقولون : السعادة أحب إليك أم الشقاوة ، مع أنه لا خير فى الشقاوة إطلاقا .

قال الآلوسى : وقوله { ءَآللَّهُ } بالمد لقلب همزة الاستفهام ألفا ، والأصل أألله ؟ { خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } والظاهر أن ( ما ) موصولة ، والعائد محذوف أى : آلله الذى ذكرت شئونه العظيمة خير أم الذى يشركونه من الأصنام و { خَيْرٌ } أفعل تفضيل ، ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته - عز وجل - وتسفيه آرائهم الركيكة ، والتهكم بهم ، إذا من البين أنه ليس فيما أشركوه به - سبحانه - شائبة خير ، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ} (59)

59

قل : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . آلله خير أم ما يشركون ? . .

يأمر الله رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يقول الكلمة التي تليق أن يفتتح بها المؤمن حديثه ودعوته وجداله ، وأن يختمه كذلك : ( قل : الحمد لله ) . . المستحق للحمد من عباده على آلائه ، وفي أولها هدايتهم إليه ، وإلى طريقه الذي يختاره ، ومنهجه الذي يرضاه . ( وسلام على عباده الذين اصطفى )لحمل رسالته وتبليغ دعوته ، وبيان منهجه .

وبعد هذا الإفتتاح يأخذ في توقيعاته على القلوب المنكرة لآيات الله ، مبتدئا بسؤال لا يحتمل إلا إجابة واحدة ، يستنكر به أن يشركوا بالله هذه الآلهة المدعاة :

آلله خير أم ما يشركون ? . .

وما يشركون أصنام وأوثان ، أو ملائكة وجن ، أو خلق من خلق الله على أية حال ، لا يرتقي أن يكون شبيها بالله - سبحانه - فضلا على أن يكون خيرا منه . ولا يخطر على قلب عاقل أن يعقد مقارنة أو موازنة . ومن ثم يبدو هذا السؤال بهذه الصيغة وكأنه تهكم محض ، وتوبيخ صرف ، لأنه غير قابل أن يوجه على سبيل الجد ، أو أن يطلب عنه جواب !