تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (12)

{ 12-13 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

يأمر تعالى المؤمنين بالصدقة ، أمام مناجاة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تأديبا لهم وتعليما ، وتعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا التعظيم ، خير للمؤمنين وأطهر أي : بذلك يكثر خيركم وأجركم ، وتحصل لكم الطهارة من الأدناس ، التي من جملتها ترك احترام الرسول صلى الله عليه وسلم والأدب معه بكثرة المناجاة التي لا ثمرة تحتها ، فإنه إذا أمر بالصدقة بين يدي مناجاته صار هذا ميزانا لمن كان حريصا على الخير والعلم ، فلا يبالي بالصدقة ، ومن لم يكن له حرص ولا رغبة في الخير ، وإنما مقصوده مجرد كثرة الكلام ، فينكف بذلك عن الذي يشق على الرسول ، هذا في الواجد للصدقة ، وأما الذي لا يجد الصدقة ، فإن الله لم يضيق عليه الأمر ، بل عفا عنه وسامحه ، وأباح له المناجاة ، بدون تقديم صدقة لا يقدر عليها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (12)

ثم أرشدهم - سبحانه - إلى لون ثالث من الأدب السامى ، فناداهم للمرة الثالثة بقوله : { ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

والمراد بقوله - تعالى - { إِذَا نَاجَيْتُمُ } : إذا أردتم المناجاة ، كما فى قوله - تعالى - { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة } والمراد بقوله : { بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ } أى : قبل مناجاتكم للرسول - صلى الله عليه وسلم - بقليل ، والكلام من باب الاستعارة التمثيلية . حيث شبهت هيئة قرب الشىء من آخر بهيئة وصول الشخص إلى من يريد الوصول إليه ، على سبيل تشبيه المعقول بالمحسوس .

واسم الإشارة فى قوله : { ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ } يعود إلى تقديم الصدقة ، والجملة بمنزلة التعليل للأمر بتقديمها .

والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ، إذا أردتم مناجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والحديث معه فى أمر ما على سبيل السر ، فقدموا صدقة للفقراء قبل مناجاته - صلى الله عليه وسلم - فذلك التقديم خير لكم لما فيه من الثواب ، وأكثر طهرا لنفوسكم ، فإن لم تجدوا شيئا تتصدقون به قبل مناجاتكم له - صلى الله عليه وسلم - فلا تحزنوا فإن الله - تعالى - واسع المغفرة والرحمة .

وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات ، منها : ما جاء عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أنه قال : نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه ، فأراد الله - تعالى - أن يخفف عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلما نزلت هذه الآية ، كف كثير من الناس ، ثم وسع الله عليهم بالآية التى بعدها .

وقال بعض العلماء : إن هذا الأمر قد اشتمل على فوائد كثيرة :

منها : تعظيم أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإكبار شأن مناجاته ، كأنها شىء لا ينال بسهولة .

ومنها : التخفيف عن النبى - صلى الله عليه وسلم - بالتقليل من المناجاة ، حتى يتفرغ - صلى الله عليه وسلم - للمهام العظمى التى كلفه - سبحانه - بها .

ومنها : تهوين الأمر على الفقراء الذين قد يغلبهم الأغنياء على مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنهم إذا علموا أن قرب الأغنياء من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومناجاتهم له ، تسبقها الصدقة ، لم يضجروا .

ومنها : عدم شغل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما لا يكون مهما من الأمور ، فيتفرغ للرسالة ، فإن الناس وقد جبلوا على الشح بالمال ، يقتصدون فى المناجاة التى تسبقها الصدقة .

ومنها : تمييز محب الدنيا من محب الآخرة ، فإن المال محك الدواعى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (12)

كذلك يعلمهم القرآن أدبا آخر في علاقتهم برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيبدو أنه كان هناك تزاحم على الخلوة برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليحدثه كل فرد في شأن يخصه ؛ ويأخذ فيه توجيهه ورأيه ؛ أو ليستمتع بالانفراد به مع عدم التقدير لمهام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الجماعية ؛ وعدم الشعور بقيمة وقته ، وبجدية الخلوة به ، وأنها لا تكون إلا لأمر ذي بال . فشاء الله أن يشعرهم بهذه المعاني بتقرير ضريبة للجماعة من مال الذي يريد أن يخلو برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويقتطع من وقته الذي هو من حق الجماعة . في صورة صدقة يقدمها قبل أن يطلب المناجاة والخلوة :

( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة . ذلك خير لكم وأطهر . فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) . .

وقد عمل بهذه الآية الإمام علي - كرم الله وجهه - فكان معه - كما روي عنه - دينار فصرفه دراهم . وكان كلما أراد خلوة برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لأمر تصدق بدرهم ! ولكن الأمر شق على المسلمين . وعلم الله ذلك منهم . وكان الأمر قد أدى غايته ، وأشعرهم بقيمة الخلوة التي يطلبونها .