غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (12)

1

قال ابن عباس : كان المسلمون أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه وأراد الله أن يخفف عن نبيه ، فلما نزلت آية النجوى شح كثير من الناس فكفوا عن المسألة . وقال مقاتل بن حيان : إن الأغنياء غلبوا الفقراء في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأكثروا مناجاته فأمر الله بالصدقة عند المناجاة ، فازدادت درجة الفقراء وانحطت رتبة الأغنياء ، وتميز محب الآخرة عن محب الدنيا . قال بعضهم : هذه الصدقة مندوبة لقوله :{ ذلك خير لكم } ولأنه أزيل العمل به بكلام متصل وهو قوله :{ أأشفقتم } ، والأكثرون على أنها كانت واجبة لظاهر الأمر ، والواجب قد يوصف بكونه خيراً ولا يلزم من اتصال الآيتين في القراءة اتصالهما في النزول . وقد يكون الناسخ متقدماً على المنسوخ كما مر في آية الاعتداد بالحول في البقرة . واختلفوا في مقدار تأخرها : فعن الكلبي ما بقي ذلك التكليف إلا ساعة من نهار ، وعن مقاتل بقي عشرة أيام ، وعن علي رضي الله عنه : لما نزلت الآية دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما تقول في دينار ؟ قلت : لا يطيقونه . قال : كم ؟ قلت : حبة أو شعيرة . قال : إنك لزهيد أي إنك لقليل المال فقدرت على حسب مالك . وعنه عليه السلام : إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم فكنت إذا ناجيته تصدّقت بدرهم . قال الكلبي : تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال القاضي : هذا لا يدل على فضله على أكابر الصحابة لأن الوقت لعله لم يتسع للعمل بهذا الفرض . وقال فخر الدين الرازي : سلمنا أن الوقت قد وسع إلا أن الإقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير الذي لا يجد شيئاً وينفر الرجل الغني ولم يكن في تركه مضرة ، لأن الذي يكون سبباً للألفة أولى مما يكون سبباً للوحشة . وأيضاً الصدقة عند المناجاة واجبة : أما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة بل الأولى ترك المناجاة لما بيّنا من أنها كانت سبباً لسآمة النبي صلى الله عليه وسلم . قلت : هذا الكلام لا يخلو عن تعصب مّا . ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي رضي الله عنه في كل خصلة ، ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة . فقد روي عن ابن عمر كان لعلي رضي الله عنه ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إليّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة رضي الله عنها ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى . وهل يقول منصف إن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم نقيصة على أنه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة ، وإنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة ، فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين : سدّ خلة بعض الفقراء ، ومن جهة محبة نجوى الرسول صلى الله عليه وسلم ففيها القرب منه وحل المسائل العويصة ، وإظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال ، والظاهر أن الآية منسوخة بما بعدها وهو قوله :{ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون } .

/خ22