تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (12)

الصدقة قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 12 ) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 13 ) }

12

المفردات :

ناجيتم الرسول : أردتم مناجاته والتحدث معه .

فقدموا بين يدي نجواكم صدقة : قدموا قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم صدقة تضعونها بين يديه ليدفعها الفقراء ، وفي ذلك نفع للفقراء ، وتعظيم لقدر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحث على عدم الإفراط في الأسئلة ، وفيه تمييز بين المنافقين والمؤمنين ، فالمنافق محب للدنيا ضنين بالمال ، وبإخراج صدقة .

خير لكم وأطهر : أزكى للنفوس ، وأبعد عن الريبة وحب المال .

التفسير :

12- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

يا أيها الذين آمنوا ، إذا رغبتم في مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والخلوة به للإجابة على أسئلتكم ، فقدموا صدقة قبل المناجاة ، يأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم ويتصدق بها على الفقراء ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " نحن معاشر الأنبياء لا تحل لنا صدقة " .

وكان من صفاته صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة أنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة ، وتقديم الصدقة بين يدي المناجاة فيه منفعة للفقراء ، وتعويد للأغنياء على الصدقة ، وتطهير للنفس من الشح ، وفيه استجماع قوى السائل ، فإذا كان السائل فقيرا لا يجد صدقة يقدمها فقد أسقط الله عنه ذلك التكليف ، وغفر له ورحمه ، وأباح له المناجاة بدون تقديم صدقة ، لقوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

وظاهر الآية يدل على أن تقديم الصدقة كان واجبا ، لأن الأمر للوجوب ، ويتأكد ذلك بقوله في آخر الآية : { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

فإن ذلك لا يقال إلا لترك الوجوب ، وقال بعضهم : إن الأمر هنا للندب والاستحباب .

والأول أظهر ، حيث نسخ الله وجوب تقديم صدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالآية التي تليها .

وأنكر أبو مسلم الأصفهاني وقوع النسخ ، وقرر أن الأمر بتقديم الصدقة على النجوى لتمييز المؤمن المخلص من المنافق ، فلما تحقق الغرض انتهى الحكم ، أي أن ذلك التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة فوجب انتهاؤه بانتهاء تلك الغاية ، فلا يكون هذا نسخا .

قال الإمام فخر الدين الرازي : وهذا الكلام حسن ما به بأس . 1ه .

أي أنه كان أمرا مرحليا مؤقتا ، مقصودا منه تخفيف الضغط على الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الأسئلة والمناجاة ، ومعرفة المؤمن الذي يهون عليه المال في سبيل المناجاة من المنافق الذي يعظم المال ، فلما تحقق ذلك أسقط الله ذلك التكليف .

والمشهور عند الجمهور أن الأمر بتقديم الصدقة قبل المناجاة منسوخ بقوله تعالى : { أأشفقتم . . . }الآية .