تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَٰجَيۡتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيۡ نَجۡوَىٰكُمۡ صَدَقَةٗۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (12)

الآية 12 : وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } يشبه أن يكون ما ذكر من مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم على وجوه ، والناس في مناجاته طبقات :

أحدهم : يناجيه مسترشدا في أمر الدين وما ينزل به من النوازل .

والآخر : يناجيه افتخارا به على غيره من الناس ومباهاة منه ليعلم أن له خصوصية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضلا له عنده ، وهو صنيع المنافقين .

والفريق الثالث : يناجونه ليسمّعوا الناس الكذب ، ويسمعوهم غير الذي سمعوا كقوله تعالى : { سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين }{ المائدة : 41 } وهم اليهود ، وصنيعهم ما ذكر .

فجائز أن تخرج المناجاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوجوه /558 أ/ التي ذكرنا .

ثم ما ذكر من تقديم الصدقة على المناجاة تخرج على وجوه :

أحدها : أمر بتقديم الصدقة لعظم قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم والخصوصية له تظهر بتلك الصدقة ، ويصير أهلا للمناجاة بها ، وهو كالطهارة التي جعلها سببا للوصول إلى مناجاة الرب سبحانه وتعالى .

والثاني : لما خصهم بمناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلهم أهلا لها أمرهم بتقديم الصدقة شكرا له منه بذلك .

والثالث : جائز أن يكون أمرهم بتقديم الصدقة امتحانا منه إياهم ليظهر حقيقة أمرهم ، وهو ما جعل الأمر بالجهاد سببا لظهور نفاقهم وارتيابهم في الأمر ، فكذلك الأول ، والله أعلم .

وجائز أن يكون الأمر بالصدقة لأهل المناجاة على الذين كانت لهم حوائج عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمنعوه عن قضاء حاجاتهم بالمناجاة ؛ أمرهم بالصلة لأولئك تطييبا لقلوبهم ، والله اعلم .

وقوله تعالى : { ذلك خير لكم وأطهر } أي إنّ تقديم الصدقة أطهر لقلوبهم من ترك الصدقة .

وقوله تعالى : { فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم } ، جائز أن يكون هذا الأمر لأهل الغنى دون الفقر حتى قال : { فإن لم تجدوا } ما تتصدقون به{ فإن الله غفور رحيم } .