تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

وتارة { يَقُولُونَ } فيه : إنه { شَاعِرٌ } يقول الشعر ، والذي جاء به شعر ،

والله يقول : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ }

{ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } أي : ننتظر به الموت{[881]}  فسيبطل أمره ، [ ونستريح منه ] .


[881]:- كذا في ب، وفي أ: نتربص به الموت، وننتظره فيه.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

ثم أخذت السورة الكريمة فى تقريع هؤلاء الجاهلين بأسلوب استنكارى فيه ما فيه من التعجب من جهالاتهم . وفيه ما فيه من الرد الحكيم على أكاذيبهم ، فساقت أقاويلهم بهذا السلوب الذى تكرر فيه لفظ " أم " خمس عشرة مرة ، وكلها إلزامات ليس لهم عنها جواب . وبدأت بقوله - تعالى- : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين } ، و " أم " فى هذه الآيات بمعنى بل والهمزة .

وقوله : { نَّتَرَبَّصُ } من التربص بمعنى الانتظار والترقب .

وقوله : { رَيْبَ المنون } يعنون به : حوادث الدهر التى تحدث له - صلى الله عليه وسلم - منها الموت . فالمنون : الدهر ، وريبه : حوادثه التى يصيبه بسببها الهلاك .

أى : بل أيقولون عنك - أيها الرسول الكريم - إنك شاعر ، وأنهم يترقبون موتك لكى يستريحوا منك . كما استراحوا من الشعراء الذين من قبلك ، كزهير والنابغة . . . قل لهم على سبيل التبكيت والتهديد : تربصوا وترقبوا موتى فإنى معكم من المنتظرين ، وستعلمون أينا خير مقاما وأحسن عاقبة .

قال الآلوسى : { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون } أى : الدهر ، وهو فعول من المَنِّ بمعنى القطع ؛ لأنه يقطع الأعمال وغيرها ، ومنه حبل مَنِين أى : مقطوع ، والريب : مصدر رابه أذا أقلقه ، أريد به حوادث الدهر وصروفه ، لأنها تقلق النفوس ، وعبر عنها بالمصدر مبالغة . . . وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس ، تفسيره المنون بالموت .

روى أن قريشا اجتمعت فى دار الندوة ، وكثرت آراؤهم فيه - صلى الله عليه وسلم - حتى قال قائل منهم : تربصوا به ريب المنون ، فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى ، فافترقوا على هذه المقالة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

وقوله : أمْ يَقُولُونَ شاعِر نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ يقول جلّ ثناؤه : بل يقول المشركون : يا محمد لك : هو شاعر نتربص به حوادث الدهر ، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه ، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا . وقال بعضهم : هو الموت . ذكر من قال : عنى بقوله : رَيْبَ المَنُونِ : حوادث الدهر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : رَيْبَ المَنُون قال : حوادث الدهر .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد رَيْبَ المَنُونِ حوادث الدهر . ذكر من قال : عنى به الموت .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : رَيْبَ المَنُونِ يقول : الموت .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : نَتَرَبَصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ قال : يتربصون به الموت .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ قال : قال ذلك قائلون من الناس تربصوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الموت يكفيكموه ، كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : رَيْبَ المَنُونِ قال : هو الموت ، نتربص به الموت ، كما مات شاعر بني فلان ، وشاعر بني فلان .

وحدثني سعيد بن يحيى الأموي ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك مَن قبله من الشّعراء زُهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ الموت ، وقال الشاعر :

تَرَبّصْ بِها رَيْبَ المَنُونِ لَعَلّها *** سَيَهْلِكُ عَنْها بَعُلُها أو «تُسَرّحُ »

وقال آخرون : معنى ذلك : ريب الدنيا ، وقالوا : المنون : الموت . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان رَيْبَ المَنُونِ قال : ريب الدنيا ، والمنون : الموت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

إن كانت { أم } مجردة عن عمل العطف فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، وإلا فهي عطف على جملة { فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون } [ الطور : 29 ] .

وعن الخليل كل ما في سورة الطور من ( أم ) فاستفهام وليس بعطف ، يعني أن المعنى على الاستفهام لا على عطف المفردات . وهذا ضابط ظاهر . ومراده : أن الاستفهام مقدر بعد ( أم ) وهي منقطعة وهي للإِضراب عن مقالتهم المردودة بقوله : { فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون } [ الطور : 29 ] للانتقال إلى مقالة أخرى وهي قولهم : « هو شاعر نتربص به ريب المنون » . وعدل عن الإِتيان بحرف ( بل ) مع أنه أشهر في الإِضراب الانتقالي ، لقصد تضمن { أم } للاستفهام . والمعنى : بل أيقولون شاعر الخ . والاستفهام المقرّر إنكاري .

ومناسبة هذا الانتقال أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدوام على التذكير يُشير إلى مقالاتهم التي يردون بها دعوته فلما أشير إلى بعضها بقوله تعالى : { فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون } [ الطور : 29 ] انتقل إلى إبطال صفة أخرى يثلثون بها الصفتين المذكورتين قبلها وهي صفة شاعر .

روى الطبري عن قتادة قال قائلون من الناس : تربصوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعرَ بني فلان وشاعر بني فلان ، ولم يعينوا اسم الشاعر ولا أنه كان يهجو كفار قريش .

وعن الضحاك ومجاهد : أن قريشاً اجتمعوا في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمد صلى الله عليه وسلم فقال بنو عبد الدار : هو شاعر تربصوا به ريب المنون ، فسيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى ، فافترقوا على هذه المقالة ، فنزلت هذه الآية فحكت مقالتهم كما قالوها ، أي فليس في الكلام خصوص ارتباط بين دعوى أنه شاعر ، وبين تربص الموت به لأن ريب المنون يصيب الشاعر والكاهن والمجنون . وجاء { يقولون } مضارعاً للدّلالة على تجدد ذلك القول منهم . والتربص مبالغة في : الرَّبْص ، وهو الانتظار .

والريب هنا : الحدثان ، وفسر بصرف الدهر ، وعن ابن عباس : ريب في القرآن شك إلا مكاناً واحداً في الطور { ريب المنون } .

والباء في { به } يجوز أن تكون للسبب ، أي بسببه ، أي نتربص لأجله فتكون الباء متعلقة ب { نتربص } ويجوز أن تكون للملابسة وتتعلق ب { ريب المنون } حالاً منه مقدمة على صاحبها ، أي حلول ريب المنون به .

والمنون : من أسماء الموت ومن أسماء الدهر ، ويذكّر . وقد فُسر بكلا المعنيين ، فإذا فسر بالموت فإضافة { ريب } إليه بيانية ، أي الحدثان الذي هو الموت وإذا فسر المنون بالدهر فالإِضافة على أصلها ، أي أحداث الدهر من مثل موت أو خروج من البلد أو رجوع عن دعوته ، فريب المنون جنس وقد ذكروا في مقالتهم قولهم : فسيهلك ، فاحتملت أن يكونوا أرادوه بيانَ ريب الموت أو إن أرادوه مثالاً لريب الدهر ، وكلا الاحتمالين جار في الآية لأنها حكت مقالتهم .

وقد ورد { ريب المنون } في كلام العرب بالمعنيين ؛ فمن وروده في معنى الموت قول أبي ذؤيب :

أمن المنون وريبها تتوجع *** والدهر ليس بمعتب من يجزع

ومن وروده بمعنى حدثنان الدهر قول الأعشى :

أإن رأت رجلاً أعشى أضرَّ بِهِ *** ريبُ المنونِ ودهرٌ مُتبِل خَبِلُ

أراد أضرّ بذاته حدَثان الدهر ، ولم يرد إصابة الموت كما أراد أبو ذؤيب .

ولما كان انتفاء كونه شاعراً أمراً واضحاً يكفي فيه مجردُ التأمل لم يتصد القرآن للاستدلال على إبطاله وإنما اشتملت مقالتهم على أنهم يتربصون أن يحلّ به ما حلّ بالشعراء الذين هم من جملة الناس .

فأمر الله تعالى نبيئه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم عن مقالتهم هذه بأن يقول : { تربصوا فإنى معكم من المتربصين } [ الطور : 31 ] ، وهو جواب منصف لأن تربص حلول حوادث الدهر بأحد الجانيين أو حلول المنية مشترك الإِلزام لا يدري أحدنا ماذا يحل بالآخر .