تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

ثم ذكر من انتقلت إليه أموالهم وأمتعتهم ، فقال : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ } أي : من أهل هذه القرية ، وهم بنو النضير .

{ ف } إنكم يا معشر المسلمين { ما أَوْجَفْتُمْ } أي : ما أجلبتم وأسرعتم وحشدتم ، { عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } أي : لم تتعبوا بتحصيلها ، لا بأنفسكم ولا بمواشيكم ، بل قذف الله في قلوبهم الرعب ، فأتتكم صفوا عفوا ، ولهذا قال : { وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من تمام قدرته أنه لا يمتنع منه{[1033]}  ممتنع ، ولا يتعزز من دونه قوي ، وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء : هو ما أخذ من مال الكفار بحق ، من غير قتال ، كهذا المال الذي فروا وتركوه خوفا من المسلمين ، وسمي فيئا ، لأنه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له ، إلى المسلمين الذين لهم الحق الأوفر فيه .


[1033]:- في ب: عليه
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

ثم بين - سبحانه - حكم الفيء الذى أفاءه على المسلمين فى غزوة بني النضير وفيما يشبهها من غزوات ، وأمر المؤمنين بأن يطيعوا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فى أمره ونهيه ، وأثنى - سبحانه - على المهاجرين والأنصار لقوة إيمانهم ، ولنقاء قلوبهم وسخاء نفوسهم . . . فقال - تعالى - : { وَمَآ أَفَآءَ . . . . } .

قوله : { وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ . . } معطوف على قوله - تعالى - : { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ . . . } لبيان نعمة أخرى من النعم التى أنعم بها - سبحانه - على المؤمنين ، فى غزوة بنى النضير .

و { أَفَآءَ } من الفىء بمعنى الرجوع ، يقال : فاء عليه ، إذا رجع ، ومنه قوله - تعالى - فى شأن الإيلاء : { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والمراد به هنا معناه الشرعى : وهو ما حصل عليه المؤمنون من أموال أعدائهم بدون قتال ، كأن يكون هذا المال عن طريق الصلح ، كما فعل بنو النضير ، فقد صالحوا المؤمنين على الخروج من المدينة ، على أن يكون لكل ثلاثة منهم حمل بعير - سوى السلاح - وأن يتركوا بقية أموالهم للمسلمين .

والضمير فى قوله { مِنْهُمْ } يعود إلى بنى النضير ، الذى عبر - سبحانه - عنهم بقوله : { هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب . . } وقوله : { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ . . } من الإيجاف بمعنى الإسراع فى السير يقال : وجَفَ الفرس يجِف وجَفا ووجيفا ، إذا أسرع فى سيره . والجملة خبر " ما " الموصولة فى قوله : { وَمَآ أَفَآءَ . . } و { مَآ } فى قوله { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ } نافية .

والركاب : اسم جمع للإبل التى تركب ، وفى الكلام حذف أغنى عنه قوله - سبحانه - : { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ . . } .

والمعنى : أعلموا - أيها المؤمنون - أن ما أعطاه الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - من أموال بنى النضير التى صالحوه عليها ، فلا حق لكم فيها لأنكم لم تنالوها بقتالكم لهم على الخيل أو الإبل ، وإنما تفضل بها - سبحانه - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بلا قتال يذكر ، فقد كانت ديار بنى النضير على بعد ميلين من المدينة ، فذهب إليها المسلمون راجلين ، وحاصروها حتى تم استسلام بنى النضير لهم . .

قال الآلوسى : روى أن بنى النضير لما أجلوا عن أوطانهم ، وتركوا ربعاعهم وأموالهم . طلب المسلمون تخميسها كغنائم بدر ، فأنزل الله - تعالى - : { وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ . . . } فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة .

فقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال : كانت أموال بنى النضير ، مما أفاء الله - تعالى - : على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، وكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، فكان ينفق عل أهله منها نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقى فى السلاح والكراع عدة فى سبيل الله - تعالى - .

وقال الضحاك : كانت أموال بنى النضير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، فآثر بها المهاجرين ، وقسمها عليهم ، ولم يعط الأنصار منها شيئا ، إلا ثلاثة منهم أعطاهم لفقرهم . .

وقوله - سبحانه - : { ولكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَآءُ . . . } استدراك على النفي فى قوله - تعالى - : { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ . . } .

أي : ليس لكم الحق - أيها المؤمنون - فى أموال بني النضير ، لأنكم لم تظفروا بها عن طريق قتال منكم لهم ، ولكن الله - تعالى - سلط رسوله - صلى الله عليه وسلم - عليهم وعلى ما فى أيديهم ، كما كان يسلط رسله على من يشاء من أعدائهم ، والله - تعالى - قدير على كل شىء . . .

وما دام الأمر كذلك ، فاتركوا رسولكم - صلى الله عليه وسلم - يتصرف فى أموال بنى النضير بالطريقة التى يريدها ويختارها بإلهام من الله - عز وجل - .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

حدثنا ابن حَميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان { وَما أفاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ يعني بني النضير فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ الله يُسَلّط رُسُلَه على مَنْ يَشاءُ وَالله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال حدثنا ورقاء جمعيا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ } قال : يذكر ربهم أنه نصرهم ، وكفاهم بغير كراع ، ولا عدّة في قريظة وخيبر ، ما أفاء الله على رسوله من قريظة ، جعلها لمهاجرة قريش .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله { وَما أفاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ الله يُسَلّط رُسُلَه على مَنْ يَشاءُ وَالله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }قال : أمر الله عزّ وجلّ نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد ، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها . قال : والإيجاف : أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من ذلك خيبر وَفدَك وقُرًى عَرَبيةً ، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتواها كلها ، فقال ناس : هلا قسّمها ، فأنزل الله عزّ وجلّ عذره ، فقال : { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهْل القُرَى فَلِلّهِ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبى وَاليتَامَى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ ثم قال : وَما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا . . . }الآية .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ }يعني يوم قُرَيظة .

وقوله : { وَلَكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ على مَنْ يَشاء }أعلمك أنه كما سلّط محمدا صلى الله عليه وسلم على بني النضير ، يخبر بذلك جلّ ثناؤه أن ما أفاء الله عليه من أموال لم يُوجِفِ المسلمون بالخيل والركاب ، من الأعداء مما صالحوه عليه له خاصة يعمل فيه بما يرى . يقول : فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما صار إليه أموال بني النضير بالصلح إلا عنوة ، ، فتقع فيها القسمة { وَاللّه على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }يقول : والله على كلّ شيء أراده ذو قدرة لا يَعجزه شيء ، وبقُدرته على ما يشاء سلّط نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على ما سلط عليه من أموال بني النضير ، فحازه عليهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

وقوله تعالى : { وما أفاء الله على رسوله منهم } الآية ، إعلام إنما أخذ لبني النضير ومن فدك فهو خاص للنبي صلى الله عليه وسلم وليس على حكم الغنيمة التي يوجف عليها ويقاتل فيها بل على حكم خمس الغنائم ، وذلك أن بني النضير لم يوجف عليها ، ولا قوتلت كبير قتال ، فأخذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قوت عياله وقسم سائرها في المهاجرين ، ولم يعط منها الأنصار شيئاً ، غير أن أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف{[11022]} شكيا عظيمة فأعطاهما ، هذا قول جماعة من العلماء ، وفي ذلك قول عمر بن الخطاب : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله عليه مما لم يوجف عليه المسلمون ب { خيل ولا ركاب } فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله نفقة سنة ، وما بقي منها جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله . قال بعض العلماء : وكذلك كل ما فتح على الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة والوجيف : دون التضريب ، يقال وجف الفرس وأوجفه الراكب والإيجاف : سرعة السير والاجتهاد فيه .


[11022]:أما سِماك بن خرشة الخزرجي الأنصاري فهو المعروف بأبي دُجانة، صحابي، كان شجاعا، شهد بدرا وثبت في أحد، وأصيب بجراحات كثيرة، واستشهد في اليمامة، وكانت له مشية فيها خيلاء، رآه النبي صلى الله عليه وسلم في معركة فقال: هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا المكان، وأما سهل فهو سهل بن حُنيف بن وهب الأنصاري، أبو سعد، صحابي من السابقين، شهد بدرا وثبت يوم أحد، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، شهد مع علي صفين، وتوفي بالكوفة، وله (40) حديثا شريفا.