تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

{ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ } فإنهم كانوا يخفون في أنفسهم ، أنهم كانوا كاذبين ، ويَبدو في قلوبهم في كثير من الأوقات . ولكن الأغراض الفاسدة ، صدتهم عن ذلك ، وصرفت قلوبهم عن الخير ، وهم كذبة في هذه الأمنية ، وإنما قصدهم ، أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب .

{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

ثم يعقب - سبحانه - على قولتهم هذه فيما لو أجيبوا إلى طلبهم على سبيل الفرض والتقدير فيقول : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } .

بل هنا للإضراب عما يدل عليه تمنيهم من إدراكهم لقبح الكفر وسوء مغبته ، ولحقيقة الإيمان وحسن عاقبته .

والمعنى : ليس الأمر كما يوهمه كلامهم فى التمنى من أنهم يريدون العودة للهداية ، بل الحق أنهم تمنوا العودة إلى الدنيا بعد أن استقبلتهم النار بلهبها ، وبعد أن ظهر لهم ما كانوا يخفونه فى الدنيا من أعمال قبيحة ، ومن أفعل سيئة ، وبعد أن بدا لهم ما كانوا يذكبون به ، وينكرون تحققه ، ولو أنهم ردوا إلى الدنيا بمتعها وشهواتها وأهوائها لعادوا لما نهوا عنه من التكذيب بالآيات ، والسخرية من المؤمنين ، وإنهم لكاذبون فى كل ما يدعون .

فالآية الكريمة تصور ما طبع عليه هؤلاء الجاحدون من فجور وعناد وافتراء ، لأنهم حتى لو أجيبوا إلى طلبهم - على سبيل الفرض والتقدير - لما تخلوا عن كفرهم ومحاربتهم للأنبياء وللمصلحين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ بَدَا لَهُمْ مّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : ما قصد هؤلاء العادلين بربهم الجاحدين نبوّتك يا محمد في قيلهم إذْ وقفوا على النار : يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ، الأسي والندمَ على ترك الإيمان بالله والتصديق بك لكن بهم الإشفاق مما هو نازل بهم من عقاب الله وأليم عذابه على معاصيهم التي كانوا يخفونها عن أعين الناس ويسترونها منهم ، فأبداها الله منهم يوم القيامة وأظهرها على رءوس الأشهاد ، ففضحهم بها ثم جازاهم بها جزاءهم . يقول : بَلْ بَدَا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ من أعمالهم السيئة التي كانوا يخفونها ، مِنْ قَبْلُ ذلك في الدنيا ، فظهرت . وَلَوْ رُدّوا يقول : ولو ردّوا إلى الدنيا فأمهلوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ يقول : لرجعوا إلى مثل العمل الذي كانوا يعملونه في الدنيا قبل ذلك من جحود آيات الله والكفر به والعمل بما يسخط عليهم ربهم . وإنّهُمْ لَكاذِبُونَ في قيلهم : لو رُددنا لم نكذّب بآيات ربنا وكنا من المؤمنين ، لأنهم قالوه حين قالوه خشية العذاب لا إيمانا بالله .

وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : بَلْ بَدَا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ يقول : بدت لهم أعمالهم في الاَخرة التي أخفوها في الدنيا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : بَلْ بَدَا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ قال : من أعمالهم .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَوْ رُدّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ يقول : ولو وصل الله لهم دنيا كدنياهم ، لعادوا إلى أعمالهم أعمال السوء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

{ بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } الإضراب عن إرادة الإيمان المفهومة من التمني ، والمعنى أنه كظهر لهم ما كانوا يخفون من نفاقهم ، أو قبائح أعمالهم فتمنوا ذلك ضجرا لا عزما على أنهم لو ردوا لآمنوا . { ولو ردوا } أي إلى الدنيا بعد الوقوف والظهور . { لعادوا لما نهوا عنه } من الكفر والمعاصي . { وإنهم لكاذبون } فيما وعدوا به من أنفسهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (28)

قوله : { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } إضراب عن قولهم { ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين } . والمعنى بل لأنّهم لم يبق لهم مطمع في الخلاص .

وبدا الشيء ظهر . ويقال : بدا له الشيء إذا ظهر له عياناً . وهو هنا مجاز في زوال الشكّ في الشيء ، كقول زهير :

بدا ليَ أنّي لستُ مدرك ما مضى *** ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائياً

ولمّا قوبل { بدا لهم } في هذه الآية بقوله : { ما كانوا يخفون } علمنا أنّ البَداء هو ظهور أمر في أنفسهم كانوا يخفونه في الدنيا ، أي خطر لهم حينئذٍ ذلك الخاطر الذي كانوا يخفونه ، أي الذي كان يبدو لهم ، أي يخطر ببالهم وقوعه فلا يُعلنون به فبدا لهم الآن فأعلنوا به وصرّحوا مُعترفين به . ففي الكلام احتباك ، وتقديره : بل بدا لهم ما كان يبدو لهم في الدنيا فأظهروه الآن وكانوا يخفونه . وذلك أنّهم كانوا يخطر لهم الإيمان لما يرون من دلائله أو من نصر المؤمنين فيصدّهم عنه العناد والحرص على استبقاء السيادة والأنفة من الاعتراف بفضل الرسول وبسبق المؤمنين إلى الخيرات قبلهم ، وفيهم ضعفاء القوم وعبيدهم ، كما ذكرناه عند قوله تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي } في هذه السورة [ 52 ] ، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى : { ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين } في سورة [ الحجر : 2 ] . وهذا التفسير يغني عن الاحتمالات التي تحيّر فيها المفسّرون وهي لا تلائم نظم الآية ، فبعضها يساعده صدرُها وبعضها يساعدُه عجزها وليس فيها ما يساعده جميعها .

وقوله : { ولو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه } ارتقاء في إبطال قولهم حتى يكون بمنزلة التسليم الجدلي في المناظرة ، أي لو أجيبت أمنيتهم وردّوا إلى الدنيا لعادوا للأمر الذي كان النبي ينهاهم عنه ، وهو التكذيب وإنكار البعث ، وذلك لأنّ نفوسهم التي كذّبت فيما مضى تكذيب مكابرة بعد إتيان الآيات البيّنات ، هي النفوس التي أرجعت إليهم يوم البعث فالعقل العقل والتفكير التفكير ، وإنّما تمنّوا ما تمنّوا من شدّة الهول فتوهّموا التخلّص منه بهذا التمنِّي فلو تحقّق تمنّيهم وردّوا واستراحوا من ذلك الهول لغلبت أهواؤهم رشدَهم فنسوا ما حلّ بهم ورجعوا إلى ما ألفوا من التكذيب والمكابرة .

وفي هذا دليل على أنّ الخواطر الناشئة عن عوامل الحسّ دون النظر والدليل لا قرار لها في النفس ولا تسير على مقتضاها إلاّ ريثما يدوم ذلك الإحساس فإذا زال زال أثره ، فالانفعال به يشبه انفعال العجماوات من الزّجر والسّوط ونحوهما . ويزول بزواله حتّى يعاوده مثلُه .

وقوله : { وإنّهم لكاذبون } تذييل لما قبله . جيء بالجملة الاسمية الدالّة على الدوام والثبات ، أي أنّ الكذب سجيّة لهم قد تطبّعوا عليها من الدنيا فلا عجب أن يتمنّوا الرجوع ليؤمنوا فلو رجعوا لعادوا لما كانوا عليه فإنّ الكذب سجيّتهم . وقد تضمّن تمنِّيهم وعدا ، فلذلك صحّ إدخاله في حكم كذبهم دخول الخاصّ في العامّ ، لأنّ التذييل يؤذن بشمول ما ذيّل به وزيادة . فليس وصفهم بالكذب بعائد إلى التمنّي بل إلى ما تضمّنه من الوعد بالإيمان وعدم التكذيب بآيات الله .