تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

{ 46-65 } ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين ، ذكر جزاء المتقين الخائفين فقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ

} إلى آخر السورة .

أي : وللذي خاف ربه وقيامه عليه ، فترك ما نهى عنه ، وفعل ما أمره به ، له جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما ، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات ، والأخرى على فعل الطاعات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

وكعادة القرآن الكريم فى قرن أحوال الأخيار ، بأحوال الأشرار ، أو العكس : جاء الحديث عما أعده - سبحانه - للمتقين من جزيل الثواب ، بعد الحديث عما سينزل بالمجرمين من عقاب فقال - تعالى - : { وَلِمَنْ خَافَ . . . } .

قال الآلوسى : قوله - تعالى - : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ . . } شروع فى تعديد الآلاء التى تفاض فى الآخرة على المتقين ، بعد بيان سوء عاقبة المكذبين .

و { مَقَامَ } مصدر ميمى بمعنى القيام مضاف إلى الفاعل . أى : ولمن خاف قيام ربه عليه وكونه مراقبا له ، ومهيمنا عليه فالقيام هنا مثله فى قوله - تعالى - : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ . . } أو هو اسم مكان . والمراد به مكان وقوف الخلق فى يوم القيامة للحساب . . إذ الخلق جميعا قائمون له - تعالى - كما فى قوله - سبحانه - : { يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين } والمعنى : ولكل من خاف القيام بين يدى ربه للحساب ، وخشى هيمنته - سبحانه - عليه ، ومجازاته له . . . لك من خاف ذلك وقدم فى دنياه العمل الصالح ، { جَنَّتَانِ } يتنقل بينهما ، ليزداد سروره ، وحبوره .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قال : { جَنَّتَانِ } ؟ قلت الخطاب للثقلين ، فكأنه قيل لكل حائفين منكما جنتان . جنة للخائف الإنسى ، وجنة للخائف الجنى .

ويجوز أن يقال : جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصة ، لأن التكليف دائر عليها ، وأن يقال : جنة يثاب بها وأخرى تضم إليها على وجه التفضل ، كقوله - تعالى - : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } .

يقول تعالى ذكره : ولمن اتقى الله من عباده ، فخاف مقامه بين يديه ، فأطاعه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه جنتان ، يعني بستانين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عن تأويله ، غير أن معنى جميعهم يقول إلى هذا . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : وعد الله جلّ ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه ، فأدّوا فرائضه الجنة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ يقول : خاف ثم اتقى ، والخائف : من ركب طاعة الله ، وترك معصيته .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ هو الرجل يهم بالذنب فيذكر مقام ربه فينزع .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : الرجل يهمّ بالذنب فيذكر مقامه بين يدي الله فيتركه ، فله جنتان .

قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : الرجل يهمّ بالمعصية ، فيذكر الله عزّ وجلّ فيدعها .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ولَمنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : في الذي إذا همّ بمعصية تركها .

حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، عن مجاهد ، قوله : ولِمَنْ خاف مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : هو الرجل يهمّ بمعصية الله تعالى ، ثم يتركها مخافة الله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : يذنب الذنب فيذكر مقام ربه فيدعه .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم في هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : إذا أراد أن يذنب أمسك مخافة الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : إن المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له ، ودانوا له ، وتعبّدوا بالليل والنهار .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، قال : حدثنا قتادة ، في قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : إن الله مقاما قد خافه المؤمنون .

حدثني محمد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الله بن الحارث القرشيّ ، قال : حدثنا شعبة بن الحجاج ، قال : حدثنا سعيد الجريريّ ، عن محمد بن سعد ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ »قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : «وإنْ زَنى وسَرَقَ وإنْ رَغِمَ أنْفِ أبي الدّرْداءِ » .

وحدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة ، عن عطاء بن يسار ، قال : أخبرني أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرأ يوما هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ قال : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : فقلت : يا رسول الله وإن زنى وإن سرق ؟ قال : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال : «وَإنْ زَنى وإنْ سَرَقَ رَغْمَ أنْفِ أبي الدّرْدَاءِ » .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي بكر ، عن أبي موسى ، عن أبيه ، قال حماد لا أعلمه إلا رفعة في قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال جنتان من ذهب للمقرّبين أو قال : للسابقين ، وجنتان من ورِق لأصحاب اليمين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : حدثنا سيار ، قال : قيل لأبي الدرداء في هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ فقيل : وإن زنى وإن سرق ، فقال : وإن زنى وإن سرق . وقال : إنه إن خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن ابن المبارك ، عن سعيد الجريريّ ، عن رجل ، عن أبي الدرداء «ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ »فقال أبو الدرداء : وإن زنى وإن سرق ، قال : نعم ، وإن رَغِمَ أنْفُ أبي الدرداء » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن الصلت ، عن عمرو بن ثابت ، عمن ذكره ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود في قوله : ولِمَنْ خافَ مقامَ رَبهِ جَنّتانِ قال : وإن زنى وإن سرق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : جنتا السابقين ، فقرأ ذَوَاتا أفْنانٍ فقرأ حتى بلغ كأَنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ثم رجع إلى أصحاب اليمين ، فقال : وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ فذكر فضلهما وما فيهما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال : مقامه حين يقوم العباد يوم القيامة ، وقرأ يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالَمِينَ وقال : ذاك مقام ربك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

ولمن خاف مقام ربه موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضيف إلى الرب تفخيما وتهويلا أو ربه و مقام مفخم للمبالغة كقوله ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين جنتان جنة للخائف الإنسي والأخرى للخائف الجني فإن الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما أو لكل واحد جنة لعقيدته وأخرى لعمله أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لترك المعاصي أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه أو روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

«من » في قوله تعالى : { ولمن } يحتمل أن تقع على جميع المتصفين بالخوف الزاجر عن معاصي الله تعالى ، ويحتمل أن تقع لواحد منهم وبحسب هذا قال بعض الناس في هذه الآية : إن كل خائف له { جنتان } . وقال بعضهم : جميع الخائفين لهم { جنتان } . والمقام هو وقوف العبد بين يدي ربه يفسره : { يوم يقوم الناس لرب العالمين }{[10840]} [ المطففين : 6 ] وأضاف المقام إلى الله من حيث هو بين يديه . قال الثعلبي وقيل : { مقام ربه } قيامه على العبد ، بيانه : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت }{[10841]} [ الرعد : 33 ] وحكى الزهراوي هذا المعنى عن مجاهد . وفي هذه الإضافة تنبيه على صعوبة الموقف وتحريض على الخوف الذي هو أسرع المطايا إلى الله عز وجل . وقال قوم : أراد جنة واحدة ، وثنى على نحو قوله : { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد }{[10842]} [ ق : 24 ] وقول الحجاج : يا غلام اضربا عنقه .

وقال أبو محمد : هذا ضعيف ، لأن معنى التثنية متوجه فلا وجه للفرار إلى هذه الشاذة ، ويؤيد التثنية قوله { ذواتا أفنان } وهي تثنية ذات على الأصل . لأن أصل ذات : ذوات .


[10840]:الآية(6) من سورة (المطففين).
[10841]:من الآية(33) من سورة (الرعد).
[10842]:الآية(24) من سورة (ق)، والخطاب من الله تعالى لواحد هو مالك خازن النار، لكن الله تعالى جعله لاثنين، وقد جرت عادة العرب على ذلك في كثير من أقوالهم وأشعارهمـ وقد سبق التعليق على ذلك عند تفسير قوله تعالى:{فبأي آلاء ربكما تكذبان} من هذه السورة. راجع صفحة 186 هامش 2 وما بعدها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

انتقال من وصف جزاء المجرمين إلى ثواب المتقين . والجملة عطف على جملة { يعرف المجرمون بسيماهم } [ الرحمن : 41 ] إلى آخرها ، وهو أظهر لأن قوله في آخرها { يطوفون بينها وبين حميم آنٍ يفيد معنى أنهم فيها .

واللام في { لمن خاف } لام الملك ، أي يعطي من خاف ربه ويملك جنتين ، ولا شبهة في أن من خاف مقام ربه جنس الخائفين لا خائف معيّن فهو من صيغ العموم البدلي بمنزلة قولك : وللخائف مقام ربه . وعليه فيجيء النظر في تأويل تثنية { جنتان } فيجوز أن يكون المراد : جنسين من الجنات .

وقد ذكرت الجنات في القرآن بصيغة الجمع غير مرة وسيجيء بعد هذا قوله : { ومن دونهما جنتان } [ الرحمن : 62 ] فالمراد جنسان من الجنات .

ويجوز أن تكون التثنية مستعملة كناية عن التعدد ، وهو استعمال موجود في الكلام الفصيح وفي القرآن قال الله تعالى : { ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسِئاً وهو حسير } [ الملك : 4 ] ومنه قولهم : لبَّيْك وسعَديك ودواليك ، كقول القوّال{[408]} الطائي من شعر الحماسة :

فقولا لهذا المرء ذُو جاء ساعياً *** هَلمّ فإن المشرفيَّ الفرائض

أي فقولوا : يا قوممِ ، وتقدم عند قوله تعالى : { سنعذبهم مرتين } في سورة التوبة ( 101 ) . وإيثار صيغة التثنية هنا لمراعاة الفواصل السابقة واللاحقة فقد بنيت قرائن السورة عليها والقرينة ظاهرة وإليه يميل كلام الفراء ، وعلى هذا فجميع ما أجري بصيغة التثنية في شأن الجنتين فمراد به الجمع .

وقيل : أريد جنتان لكل متقّ تحفان بقصره في الجنة كما قال تعالى في صفة جنات الدنيا { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } [ الكهف : 32 ] الآية ، وقال : { لقد كان لسبإ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال } [ سبأ : 15 ] فهما جنتان باعتبار يمنة القصر ويسرته والقصر فاصل بينهما .

والمقام : أصله محل القيام ومصدر ميمي للقيام وعلى الوجهين يستعمل مجازاً في الحالة والتلبس كقولك لمن تستجيره : هذا مقام العائذ بك ، ويطلق على الشأن والعظمة ، فإضافة { مقام } إلى { ربه } هنا إن كانت على اعتبار المقام للخائف فهو بمعنى الحال ، وإضافته إلى { ربه } تُشبِه إضافة المصدر إلى المفعول ، أي مقامه من ربه ، أي بين يديه .

وإن كانت على اعتبار المقام لله تعالى فهو بمعنى الشأن والعظمة . وإضافتُه كالإضافة إلى الفاعل ، ويحتمل الوجهين قوله تعالى : { ذلك لمن خاف مقامي } في سورة إبراهيم ( 14 ) وقولُه : { وأما من خاف مقام ربه } في سورة النازعات ( 40 ) .


[408]:- هكذا وقع اسمه في ديوان الحماسة وشروحه وهو يفتح القاف وتشديد الواو كما في خزانة الأدب. وهو من مخضرمي الدولتين.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} (46)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه} يوم القيامة في الآخرة {جنتان} يعني جنة عدن، وجنة النعيم، وهما للصديقين، والشهداء، والمقربين، والسابقين، وهو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر مقامه بين يدي الله عز وجل، فيخاف فيتركها، فله جنتان...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولمن اتقى الله من عباده، فخاف مقامه بين يديه، فأطاعه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه جنتان، يعني بستانين.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

لما وصف الله تعالى ما أعد للكفار من أنواع العذاب، بين بعد ذلك ما أعد للمؤمنين والمتقين، فقال "ولمن خاف مقام ربه جنتان " والمعنى ولمن خاف المقام الذي يقفه فيه ربه للمساءلة عما عمل في ما يجب عليه مما أمره به أو نهاه عنه، فيكفه ذلك عما يدعوه هواه إليه يصبر صبر مؤثر للهدى على طريق الردى. والمقام: الموضع الذي يصلح للقيام فيه وبضم الميم الموضع الذي يصلح للإقامة فيه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

يقال: لِمَنْ خاف قُرْبَ ربِّه منه واطلاعه عليه. ولفظة التثنية هنا على العادة في قولهم: خليليَّ ونحوه. وقيل: بل جنتان على الحقيقة، ومُعَجَّلة في الدنيا من حلاوة الطاعة وروح الوقت، ومؤجَّلة في الآخرة وهي جنة الثواب. ثم هم مختلفون في جنات الدنيا على مقادير أحوالهم كما يختلفون في الآخرة على حسب درجاتهم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي؛ لأن التكليف دائر عليهما وأن يقال: جنة يثاب بها، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل، كقوله تعالى: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

«من» في قوله تعالى: {ولمن} يحتمل أن تقع على جميع المتصفين بالخوف الزاجر عن معاصي الله تعالى، ويحتمل أن تقع لواحد منهم وبحسب هذا قال بعض الناس في هذه الآية: إن كل خائف له {جنتان}. وقال بعضهم: جميع الخائفين لهم {جنتان}.وقال قوم: أراد جنة واحدة، وثنى على نحو قوله: {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد} [ق: 24] وقول الحجاج: يا غلام اضربا عنقه. وقال أبو محمد: هذا ضعيف، لأن معنى التثنية متوجه فلا وجه للفرار إلى هذه الشاذة، ويؤيد التثنية قوله {ذواتا أفنان} وهي تثنية ذات على الأصل. لأن أصل ذات: ذوات.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان، فبأي آلاء ربكما تكذبان}.

وفيه لطائف:

(الأولى) التعريف في عذاب جهنم قال: {هذه جهنم} والتنكير في الثواب بالجنة إشارة إلى أن كثرة المراتب التي لا تحد ونعمه التي لا تعد، وليعلم أن آخر العذاب جهنم وأول مراتب الثواب الجنة ثم بعدها مراتب وزيادات.

(الثانية) قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} أن الخوف خشية سببها ذل الخاشي، والخشية خوف سببه عظمة المخشي، قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} لأنهم عرفوا عظمة الله فخافوه لا لذل منهم، بل لعظمة جانب الله، وكذلك قوله: {من خشية ربهم مشفقون} وقال تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} أي لو كان المنزل عليه العالم بالمنزل كالجبل العظيم في القوة والارتفاع لتصدع من خشية الله لعظمته، وكذلك قوله تعالى: {وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} وإنما قلنا: إن الخشية تدل على ما ذكرنا لأن الشيخ للسيد والرجل الكبير يدل على حصول معنى العظمة في خ ش ي، وقال تعالى في الخوف: {ولا تخف سنعيدها} لما كان الخوف يضعف في موسى، وقال: {لا تخف ولا تحزن} وقال: {فأخاف أن يقتلون} وقال إني: {خفت الموالي من ورائي} ويدل عليه تقاليب خ و ف، فإن قولك خفي قريب منه، والخافي فيه ضعف والأخيف يدل عليه أيضا، وإذا علم هذا فالله تعالى مخوف ومخشي، والعبد من الله خائف وخاش، لأنه إذا نظر إلى نفسه رآها في غاية الضعف فهو خائف، وإذا نظر إلى حضرة الله رآها في غاية العظمة فهو خاش، لكن درجة الخاشي فوق درجة الخائف، فلهذا قال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} جعله منحصرا فيهم لأنهم وإن فرضوا أنفسهم على غير ما هم عليه، وقدروا أن الله رفع عنهم جميع ما هم فيه من الحوائج لا يتركون خشيته، بل تزداد خشيتهم، وإما الذي يخافه من حيث إنه يفقره أو يسلب جاهه، فربما يقل خوفه إذا أمن ذلك، فلذلك قال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} وإذا كان هذا للخائف فما ظنك بالخاشي؟

(الثالثة) لما ذكر الخوف ذكر المقام، وعند الخشية ذكر اسمه الكريم فقال: {إنما يخشى الله}...

وفي مقام ربه قولان: (أحدهما) مقام ربه أي المقام الذي يقوم هو فيه بين يدي ربه، وهو مقام عبادته...

في قوله: {جنتان} وهذه اللطيفة نبينها بعدما نذكر ما قيل في التثنية، قال بعضهم: المراد جنة واحدة كما قيل في قوله: {ألقيا في جهنم}... قال تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها} فوحد اللفظ ولا حاجة هاهنا إلى التعسف، ولا مانع من أن يعطي الله جنتين وجنانا عديدة، وكيف وقد قال بعد {ذواتا أفنان} وقال: فيهما. والثاني وهو الصحيح أنهما جنتان...

(وأما اللطيفة) فنقول: لما قال تعالى في حق المجرم إنه يطوف بين نار وبين حميم آن، وهما نوعان ذكر لغيره وهو الخائف جنتين في مقابلة ما ذكر في حق المجرم، لكنه ذكر هناك أنهم يطوفون فيفارقون عذابا ويقعون في الآخر، ولم يقل: هاهنا يطوفون بين الجنتين بل جعلهم الله تعالى ملوكا وهم فيها يطاف عليهم ولا يطاف بهم احتراما لهم وإكراما في حقهم، وقد ذكرنا في قوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} وقوله: {إن المتقين في جنات} أنه تعالى ذكر الجنة والجنات، فهي لاتصال أشجارها ومساكنها وعدم وقوع الفاصل بينهما كمهامه وقفار صارت كجنة واحدة، ولسعتها وتنوع أشجارها وكثرة مساكنها كأنها جنات، ولاشتمالها على ما تلتذ به الروح والجسم كأنها جنتان، فالكل عائد إلى صفة مدح...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} شروعٌ في تعدادِ الآلاءِ الفائضةِ عليهم في الآخرةِ بعدَ تعدادِ ما وصلَ إليهم في الدُّنيا من الآلاءِ الدينيةِ والدنيويةِ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ويجوز أن تكون التثنية مستعملة كناية عن التعدد، وهو استعمال موجود في الكلام الفصيح وفي القرآن قال الله تعالى: {ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسِئاً وهو حسير} [الملك: 4] وتقدم عند قوله تعالى: {سنعذبهم مرتين} في سورة التوبة (101). وإيثار صيغة التثنية هنا لمراعاة الفواصل السابقة واللاحقة فقد بنيت قرائن السورة عليها والقرينة ظاهرة وإليه يميل كلام الفراء، وعلى هذا فجميع ما أجري بصيغة التثنية في شأن الجنتين فمراد به الجمع. والمقام: أصله محل القيام ومصدر ميمي للقيام وعلى الوجهين يستعمل مجازاً في الحالة والتلبس كقولك لمن تستجيره: هذا مقام العائذ بك، ويطلق على الشأن والعظمة، فإضافة {مقام} إلى {ربه} هنا إن كانت على اعتبار المقام للخائف فهو بمعنى الحال، وإضافته إلى {ربه} تُشبِه إضافة المصدر إلى المفعول، أي مقامه من ربه، أي بين يديه. وإن كانت على اعتبار المقام لله تعالى فهو بمعنى الشأن والعظمة. وإضافتُه كالإضافة إلى الفاعل، ويحتمل الوجهين قوله تعالى: {ذلك لمن خاف مقامي} في سورة إبراهيم (14) وقولُه: {وأما من خاف مقام ربه} في سورة النازعات (40).

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(ولمن خاف مقام ربّه جنّتان):.. ويوجد هنا تفسير ثالث. هو أنّ الخوف من الله تعالى لا يكون بسبب نار جهنّم، والطمع في نعيم الجنّة، بل هو الخوف من مقام الله وجلاله فقط. وهنالك تفسير رابع أيضاً، وهو أنّ المقصود من (مقام الله) هو الخوف من مقام عدالته، لأنّ ذاته المقدّسة لا تستلزم الخوف، إنّما هو الخوف من عدالته، الذي مردّه هو خوف الإنسان من أعماله.